للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث السادس: تأخير رمي الجمار إلى آخِر أيام التشريق:

اختَلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: يَجوز تأخير رمي الجمار إلى آخِر أيام التشريق (اليوم الثالث عشر) ويرميه مُرَتَّبًا: رَمْي اليوم الأول، ثم رَمْي اليوم الثاني … وهكذا؛ لأنها في حُكم اليوم الواحد. وهو قول صاحبَي أبي حنيفة، ومذهب الشافعية والحنابلة (١).

واستدلوا بالسُّنة والمعقول:

أما السُّنة، فَعَنْ عَاصِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ رَخَّصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي البَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى، يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الغَدَ، ومِنْ بَعْدِ الغَدِ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ.

وأما المعقول، فإن أيام التشريق كلها كاليوم الواحد، وقت للرمي، فإذا أَخَّره عن أول وقته إلى آخره أجزأه، كتأخير الوقوف بعرفة إلى آخِر وقته، وكذا جميع أيام التشريق وَقْت لذبح للأضاحي؛ فوجب أن تكون جميعها وقتًا لرمي الجمار. (٢).

القول الآخَر: أن تأخير رمي كل يوم عن وقته يوجب الدم. وهو قول أبي حنيفة، ومذهب المالكية، وقول عند الشافعية (٣).

واستدلوا بأن الرمي في كل يوم مؤقت به؛ لأن النبي رمى كل يوم في يومه.

ونوقش بِأَنَّ التَّرْخِيصَ بِجَمْعٍ أَيَّامَ الرَّمْيِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْقَاتَ الرَّمْيِ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ مَنْ رَمَى عَنْ يَوْمٍ فِي الَّذِي بَعْدَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِإِذْنِ النَّبِيِّ لِلرِّعَاءِ فِي ذَلِكَ.


(١) «المبسوط» (٤/ ٦٥٠)، و «الحاوي» (٤/ ١٩٦)، و «المغني» (٥/ ٣٣٣)، و «كشاف القناع» (٢/ ٥١٠).
(٢) قال الشربيني: (وإذا تَرَك رمي يوم) أو يومين من أيام التشريق، عمدًا أو سهوًا أو جهلًا (تَدارَكه في باقي الأيام) منها، بالنص في الرِّعاء وأهل السِّقاية، وبالقياس في غيرهم؛ إذ لو كانت بقية الأيام غير صالحة للرمي، لم يَفترق الحال فيها بين المعذور كما في الوقوف بعرفة و مزدلفة. وكذا يتدارك رمي يوم النحر في باقي الأيام إذا تَرَكه. «مغني المحتاج» (٢/ ٢٧٨). قال الشنقيطي: فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ رَمْيَ يَوْمٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ قَضَاءٌ لِعِبَادَةٍ خَرَجَ وَقْتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ لأَنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ عِبَادَةٌ مُوَقَّتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذْنُ النَّبِيِّ فِي فِعْلِهَا فِي وَقْتٍ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مِنْ أَجْزَاءِ وَقْتِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمُوَقَّتَةِ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَعْقُولِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعِبَادَةُ مُوَقَّتَةً بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَنْتَهِي بِالْإِجْمَاعِ فِي وَقْتٍ مَعْرُوفٍ، وَيَأْذَنُ النَّبِيُّ فِي فِعْلِهَا فِي زَمَنٍ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ لَهَا، فَهَذَا لَا يَصِحُّ بِحَالٍ «أضواء البيان» (٤/ ٤٦٩).
(٣) «المبسوط» (٤/ ٦٥)، و «المُدوَّنة» (٢/ ٤٢٤)، و «الحاوي» (٤/ ١٩٧).

<<  <   >  >>