للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسم الأول: سُنن السَّيْر من مِنًى إلى عرفة: وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: يُسَن السير من مِنًى إلى عرفة صباحًا، بعد طلوع شمس يوم عرفة.

اتَّفَق العلماء على أن السُّنة أن يَتوجه إلى عرفة من مِنًى بعد طلوع شمس يوم عرفة (١).

فعن جابر عبد الله في حديثه الطويل، في صفة حجة النبي : «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ».

ولكن يُشْكِل عليه ما رواه أحمد: عن ابن عمر قال: «غَدَا رَسُولُ اللَّهِ مِنْ مِنًى، حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ» (٢).

فدل حديث جابر على أن رسول الله تَوجَّه من مِنًى إلى عرفة بعد طلوع الشمس، وحديثُ ابن عمر ظاهره أن رسول الله تَوجَّه من مِنًى بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس. ونوقش بأن حديث ابن عمر منكر.

المبحث الثاني: حُكْم ذَهاب بعض الحُجاج في اليوم الثامن إلى عرفات.

قال النووي: وَأَمَّا مَا يفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ دُخُولهِمْ أرْضَ عَرَفَات في الْيَوْمِ الثامِنِ، فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُنَّةِ، وتَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا الصَّلَاةُ بِمِنًى والْمَبيتُ بِهَا (٣).


(١) «المسلك المتقسط» (ص: ٢٦٨)، و «الإيضاح» (ص: ٢٦٩)، و «المغني» (٥/ ٢٦٢).
(٢) منكر: أخرجه أحمد (٦١٣٠) ومن طريقه أبو داود (١٩٠٤): عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهِ. وابن إسحاق: صدوق، وصَرَّح بالتحديث.
وهذا المتن منكر لثلاثة أوجه:
الأول: أن ابن إسحاق وإن كان حسن الحديث، ولكن ليس بحجة فيما ينفرد به، ومنكر فيما يخالف مَنْ هو أثبت منه، وسُئل أحمد: إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تَقْبَله؟ قال: لا والله، إني رأيته يُحَدِّث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يَفصل كلام ذا من كلام ذا.
الثاني: ومما يُقَوِّي نسبة الوهم إلى ابن إسحاق أن في روايته عن نافع ضعفًا، قال ابن عبد البر: وفي حديثه عن نافع بعض الشيء. «تهذيب التهذيب» (٩/ ٤٣، ٤٦).
الثالث: مما يدل على نكارة المتن قوله: «حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاحَ رَسُولُ اللهِ مُهَجِّرًا، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ» وهذا المتن مُخالِف لما رواه جابر واستفاض من عمل المسلمين، من تقديم الخُطبة على صلاة الظهر والعصر جَمْعًا وقَصْرًا.
(٣) «الإيضاح» (ص: ٢٧٢).
قال ابن الحاج: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسُوا بِمِنًى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى وَبَاتَ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ وَابْتَدَعَ. «المَدْخَل» (٤/ ٢٢٧).

<<  <   >  >>