للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: إذا لم يجد الحملة مكانًا مناسبًا للمبيت في مِنًى، فلا يجب عليها المبيت على الأرصفة والطرق المزدحمة بالمارة والسيارات، مثل الطرق الموصلة للجَمَرات، فيُمْنَع من ذلك؛ لِما يسببه هذا الفعل من تعطيل الحركة وإرباك الحُجاج، وقد يَحدث دهس وتزاحم ينتج عنهما بعض حالات وفاة؛ وإذا كان النبي مَنَع الصحابة من الجلوس في طرق الدواب، فما بالك بطرق الناس والسيارات؟! قال رسول الله : «إِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ؛ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ» (١).

المبحث الرابع: البناء في مِنًى وامتلاك مبانيها:

لا يَجوز التملك في مَشْعَر مِنًى؛ فقد اتَّفق العلماء على أن بقاع المناسك لا تباع، كالمسعى ومِنًى وعرفة ومزدلفة، كالمساجد (٢).

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَبْنِي لَكَ بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ: «لَا، إِنَّمَا هُوَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ» (٣).

فالحاصل: أن بِقاع المناسك كعرفة ومِنًى حُكْمها حُكْم المساجد، بغير خلاف.

ولذا قد أفتت هيئة كبار العلماء بأن البناء في مِنًى لا يجوز؛ لأن مِنًى مَشْعَر من المشاعر المقدسة، وأنها مُنَاخُ مَنْ سَبَق، وأن أهل العلم قد مَنعوا البناء فيها؛ لكَوْن ذلك يُفضِي إلى التضييق على عباد الله حُجاج بيته الحرام.

وقد قرروا في بعض المواطن جواز البناء إن كان لمصلحة عموم الحجيج (٤).


(١) أخرجه مسلم (١٩٢٦).
(٢) قال ابن عَقيل: أَمَّا بِقَاعُ الْمَنَاسِكِ كَمَوْضِعِ السَّعْيِ وَالرَّمْيِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسَاجِدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. «المغني» (٦/ ٣٦٧). وقال الطحاوي: فَرَأَيْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ بِنَاءً، وَلَا يَحْتَجِرَ مِنْهُ مَوْضِعًا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَقَعُ لِأَحَدٍ فِيهَا مِلْكٌ، وَجَمِيعُ النَّاسِ فِيهَا سَوَاءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ (عَرَفَةَ) لَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ فِيهَا بِنَاءً، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ؟ وَكَذَلِكَ (مِنًى) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا دَارًا، كَانَ مِنْ ذَلِكَ مَمْنُوعًا. «شرح معاني الآثار» (٤/ ٥٠).
(٣) ضعيف: أخرجه أحمد (٢٥٥٤١)، وأبو داود (٢٠١٩).
وإسناده ضعيف لتفرد إبراهيم بن مُهاجِر به، وهو ضعيف. ووالدة يوسف بن مَاهَك- وهي مُسَيْكة المكية- مجهولة، تَفرَّد بالرواية عنها ابنها يوسف، ولم يوثقها مُعتبَر.
(٤) «أبحاث هيئة كبار العلماء» (٣/ ٤٠٣)، و «النوازل في الحج» (ص: ٤٥٠).

<<  <   >  >>