للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعلى هذا يَجوز تَكرار العمرة، ولا سيما أهل البلدان البعيدة الذين يحبون أن يعتمروا عن آبائهم. ويُخَص ذلك بمن يَشُق عليهم رجوعهم إلى الحرم؛ قياسًا على فعل عائشة لوجود الحاجة.

ومع القول بمشروعية تَكرار العمرة والإكثار منها، إلا أن الأَوْلَى ترك ذلك مطلقًا في أوقات الزحام والمواسم؛ دفعًا لمفسدة الزحام، ولا سيما وهي عمرة مسنونة، ولأن الذَّهاب إلى التنعيم كل يوم للإتيان بعمرة- لم يُعْهَد عن السلف، وإنما الأفضل الانشغال بالطواف والذِّكر والصلاة (١).

المبحث الثامن: مشروعية العمرة لأهل حَرَم مكة:

واختلفوا في مشروعية خروج أهل حرم مكة إلى الحِل للاعتمار على قولين:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى جواز خروج أهل مكة للحِل للاعتمار. وبه قال الحنفية والمالكية، وهو قول للشافعية، ورواية عن أحمد (٢).


(١) وسُئلت اللجنة الدائمة (١٠/ ٣٥٥): ما حُكْم مَنْ يأتي بأكثر من عمرة في زمن يسير، وفي كل عمرة يَذهب إلى التنعيم للإحرام منه؟
فأجابت: تَكرار العمرة لمن جاء إلى مكة في زمن يسير- لم يكن من هَدْي النبي ، ولا فَعَله أصحابه ، ولو كان هو الأفضل لسَبَقوا إليه.
والمشروع لمَن جاء إلى مكة وقضى نسكه: الإكثار من الطواف خاصة، وقراءة القرآن والصلاة والصدقة … وغيرها من العبادات.
وإن اعتَمر لنفسه أو لغيره ممن يَجوز الاعتمار عنه، كالميت، والعاجز لكِبَر أو مرض لا يُرجَى برؤه، فلا بأس إذا لم يكن عليه مشقة ولا على الناس، كأوقات الزحام. لقول النبي : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» ولِما ثَبَت عنه أنه أَمَر عائشة أن تعتمر من التنعيم بعد حِلها من حجها وعمرتها لَمَّا استأذَنَتْه في ذلك.
(٢) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٤٧٣)، و «الشرح الصغير» (١/ ٢٨٤)، و «المجموع» (٧/ ١٤٩).
قال السرخسي: وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ، خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ إِلَى الْحِلِّ، مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ، وَأَقْرَبُ الْجَوَانِبِ التَّنْعِيمُ. «المبسوط» (٤/ ٢٩).
قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الْعُمْرَةُ مِنَ التَّنْعِيمِ، فَإِنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ ثُمَّ يُحْرِمَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَلَكِنِ الْفَضْلُ أَنْ يُهِلَّ مِنَ الْمِيقَاتِ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ . «الموطأ» (٩٩٥).
قال الشافعي: وَأَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ اعْتَمَرَ مِنْهَا، فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ اعْتَمَرَ مِنَ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَعْتَمِرَ مِنْهَا، وَهِيَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إِلَى الْبَيْتِ. «الأم» (٣/ ٣٣٠).
قال أحمد: اعتَمِر في كل شهر مرارًا إن قدرت. «مسائل أحمد، رواية ابن هانئ» (ص: ١٧٣).
وقد قال الشوكاني: وَالِاعْتِمَارُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِمَنْ شَاءَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. «نَيْل الأوطار» (٤/ ٣٦٥).

<<  <   >  >>