للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك ممكن لأهل الحرم بلا خروج منه، ومَن كان متمكنًا من المقصود بلا وسيلة- لم يُؤمَر أن يَترك المقصود ويشتغل بالوسيلة (١).

فَعَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الطَّوَافِ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ أَمِ الْعُمْرَةُ؟ قَالَ: «بَلِ الطَّوَافُ» (٢).

القول الثالث: أن العمرة مُقيَّدة بألا يوالي بينها؛ لأن النبي وأصحابه لم يُنْقَل عنهم الموالاة بينهما، وإنما نُقِل عنهم إنكار ذلك، والحَقّ في اتباعهم. وقَيَّدوا ذلك بعَشَرة أيام، وكرهوا تَكرارها في أقل من ذلك. وهو مذهب الحنابلة (٣).

وأما المأثور الذي استدلوا به، فهو ما قاله ابن قُدامة: فَأَمَّا الْإِكْثَارُ مِنَ الِاعْتِمَارِ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُسْتَحَبُّ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ السَّلَفِ، وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَأَحْوَالُهُمْ تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ (٤).

الراجح: لا بد أن نُفَرِّق بين حالين:

الأول: العمرة من التنعيم مشروعة، وكذا الإكثار منها، لكن تَكرار العمرة في زمن يسير، كتَكرار العمرة في يوم، فهذه الصفة لم تُعْهَد عن السلف، ولأن العمرة إحرام وطواف وسعي وحَلْق، وكيف يتسنى لمن يعتمر في كل يوم أن يؤدي نسك الحلق؟! وبعض الحُجاج يُكرِّر هذه العمرة في أوقات الزحام، فيؤذي إخوانه.

فالأَوْلَى والمستحب ألا يوالي بين عُمَره في زمن يسير؛ لأن النبي وأصحابه لم يُنْقَل عنهم الموالاة بينها بهذه الطريقة، وفِعل الصحابة يُقيِّد الأدلة.

الثاني: أن مَنْ والى بين عُمَره فقد فَعَل خلاف الأَوْلَى؛ لفِعل عائشة وإِذْن النبي لها. وقيل بخلاف الأَوْلَى؛ لقرينة ترك جميع الصحابة غير عائشة ذلك.


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ٢٦١، ٢٦٢).
(٢) ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي، أخرجه الأزرقي «أخبار مكة» (٢/ ٣).
(٣) «المغني» (٥/ ١٧)، و «الإنصاف» (٩/ ٢٨٤). وقال أحمد: إِذَا اعْتَمَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ.
ونوقش بأن هذا العدد تقدير واجتهاد من عالم، ولا يكون إلا بنص من قرآن أو سُنة.
(٤) «المغني» (٥/ ١٧).

<<  <   >  >>