للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بأن الرسول أَمَر أبا موسى أن يتحلل بطواف وسعي، بقوله: «طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَحِلَّ» ولم يَذكر التقصير.

ونوقش بأن الحَلْق أو التقصير ثَبَتَ الأمر به في أحاديث، فإن لم يُذْكَر في أحاديث أُخَر؛ فلأن ذلك كان مشهورًا عندهم، فاستُغني عن ذِكره (١).

والراجح: أن الحَلْق أو التقصير واجب من واجبات الحج؛ لأن الله وصفهم بقوله سبحانه: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: ٢٧] ولو لم يكن واجبًا لَمَا وَصَفهم به، والنبي أَمَر أصحابه بتقصير الشَّعر، والأمر يقتضي الوجوب، وكذا الرسول هو وأصحابه داوموا على الحَلْق بعد السعي، ولو لم يكن واجبًا لتَرَكه ولو مرة بيانًا للجواز.

المبحث الثالث: القَدْر الواجب حلقه أو تقصيره:

لا خلاف بين العلماء أن مَنْ حَلَق أو قَصَّر جميع شعر الرأس، أنه يجزئه.

واختلفوا في القَدْر الذي يتحقق به الواجب على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الواجب لا يتحقق إلا بحلقِ أو تقصيرِ جميع شعر الرأس. وبه قال ابن الهُمَام من الحنفية، والمالكية، وهو المشهور عند الحنابلة (٢).

واستدلوا بالكتاب والسنة:

أما الكتاب، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: ٢٧] فظاهر الآية يقتضي حَلْق جميع شعر الرأس.

وأما السُّنة، فعن ابن عمر ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ (٣). فقوله: (حَلَقَ رَأْسَهُ) يدل على أن الحَلْق عامّ في جميع شعر الرأس.


(١) «المغني» (٥/ ٣٠٦)، و «شرح مسلم» (٩/ ٥٠).
(٢) «شرح فتح القدير» (٢/ ٥٠٣)، و «مواهب الجليل» (٣/ ١٢٨)، و «الفروع» (٣/ ٥١٣).
(٣) رواه البخاري (٤٤١٠)، ومسلم (١٣٠٤).

<<  <   >  >>