للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التَّفَثُ: حَلَقُ الرَّأْسِ، وَأَخْذٌ مِنَ الشَّارِبَيْنِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، … (١).

فالحاصل: أن التفث هو الأوساخ والأدران التي تكونت بسبب محظورات الإحرام، وقضاء التفث يكون بحلق الرأس ولُبْس المَخيط وتقليم الأظفار، وسائر أنواع التنظف، وكل ما كان ممنوعًا بسبب الإحرام.

وأما دليلهم من السُّنة، فاستدلوا بفعله ، فعن ابن عمر ، أن رسول الله حَلَق رأسه في حَجة الوداعِ (٢) وقد قال : «لتأخذوا مناسككم».

وقد دلت الأحاديث المستفيضة على أن النبي أَمَر أصحابه بالحلق في حَجة الوداعِ؛ فعن جابر ، أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: «أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ بالبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا» (٣).

قوله : «وقَصِّروا» هذا أمر من رسول الله ، والأمر يقتضي الوجوب.

واستدلوا بأن النبي لما أُحْصِرَ هو وأصحابه بالحُديبية أَمَرهم بالحلق؛ لأن سقوط بقية الأركان والواجبات إنما هو بعجزهم عنها، فبقي وجوب ما استطاعوا عليه، وهو الهَدْي والحلق أو التقصير (٤).

القول الثاني: ذهب الشافعية في المشهور عنهم إلى أن الحَلْق ركن من أركان الحج؛ لأنه لا يَجبره الدم ولا تقوم الفدية مَقامه.

القول الثالث: أن الحَلْق أو التقصير ليس بنسك، وإنما هو استباحة محظور لا يترتب على تركه شيء، كاللباس والطِّيب وسائر محظورات الإحرام، ويَحصل الحِل بدونه. وهذا قول عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة (٥).


(١) إسناده صحيح: أخرجه الطبري (١٦/ ٥٢٦)، وابن أبي شيبة (١٥٩١٧).
(٢) رواه البخاري (٤٤١٠)، ومسلم (١٣٠٤).
(٣) رواه البخاري (١٥٦٨). وفي البخاري (١٧٣١): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ مَكَّةَ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا، وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا».
(٤) روى البخاري (٢٧٠١): عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ.
(٥) قال النووي: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ قَوْلَين لِلشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُك، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أبِيحَ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُحْرِمًا، كَاللِّبَاسِ وَتَقْلِيم الأظْفَارِ وَالصَّيْدِ … وَغَيْرِهَا.
وَالْقَوْلُ الثانِي- وَهُوَ الصَّحيحُ-: أنَّهُ نُسُكٌ مَأمُورٌ بِهِ، وَهُوَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ، وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا يَفُوتُ وَقْتُهُ مَا دَامَ حَيًّا. «الإيضاح» (ص: ٣٤٢، ٣٤٣).

<<  <   >  >>