للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الإجماع، فنُقِل الإجماع على أن حلق شعر الرأس أو تقصيره من محظورات الإحرام، وتجب به الفدية (١).

المبحث الثاني: هل تجب الفدية بإزالة شَعر بقية البدن؟

اختَلف أهل العلم في ذلك على قولين:

الأول: تجب، وهو مذهب الأئمة الأربعة.

قال ابن عبد البر: لا خلاف أنه لا يَجوز للمُحْرِم أَخْذ شيء من شَعْر رأسه وجسده لضرورة ما دام مُحْرِمًا. ولكن هذا الإجماع منخرم؛ فقد خالف الظاهرية فقالوا: لا يُحْظَر حلق شعر غير شعر الرأس للمُحْرِم (٢).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة القياس:

أما الكتاب، فعموم قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩].

وَجْه الدلالة ما قاله البغوي: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ التَّفَثُ: الْوَسَخُ وَالقَذَارَةُ مِنْ طُولِ الشَّعْرِ وَالأَظْفَارِ وَالشَّعَثِ. تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ تَسْتَقْذِرُهُ: مَا أَتْفَثَكَ! أَيْ: مَا أوْسَخَكَ! وَالحَاجُّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ، أيْ: لَمْ يَحْلِقْ شَعْرَهُ وَلَمْ يُقَلِّمْ ظُفْرَهُ، فَقَضَاءُ التَّفَثِ إِزَالَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ﴿لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ أَيْ: لِيُزِيلُوا أَدْرَانَهُمْ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْخُرُوجُ عَنِ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَالِاسْتِحْدَادِ وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ (٣).

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «التَّفَثُ: الرَّمْيُ، وَالذَّبْحُ، وَالْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ، وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَاللِّحْيَةِ» (٤).

وأما السُّنة، فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» (٥).


(١) ونَقَل الإجماع: ابن المنذر في «الإجماع» (ص: ٥٢)، والنووي في «المجموع» (٧/ ٢٤٧)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (٤/ ٣٨٥).
(٢) «الاستذكار» (٤/ ١٦٠).
(٣) «تفسير البغوي» (٣/ ٣٣٦).
(٤) إسناده صحيح: رواه ابن أبي شيبة (١٥٦٧٣) عن عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
(٥) مسلم (١٩٧٧).

<<  <   >  >>