للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثالث: ما لا يُشترَط في السعي:

وفيه ثلاثة مباحث:

[المبحث الأول: النية]

لا تُشترَط النية في السعي؛ لأن الحج عبادة مركبة من أجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، وهذا قول الحنفية والمالكية والشافعية (١).

المبحث الثاني: لا تُشترَط الطهارة من الحَدثَين للسعي بين الصفا والمروة:

نَقَل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا تُشترَط الطهارة من الحَدثَين في السعي (٢).

وهذا الإجماع منخرم، والصحيح أن هذا قول جماهير العلماء (٣).

واستدلوا بدليلين: الدليل الأول: عموم قول النبي لعائشة وقد حاضت: «فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» فالنبي أَمَرها أن تَصنع كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت خاصة، فدل على أن السعي لا تُشترَط له الطهارة.

ونوقش بأنه قد وردت رواية، وهي قول النبي لعائشة : «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَتَّى تَطْهُرِي» (٤).


(١) «المسلك المتقسط» للقاري (ص: ٩٣)، و «المجموع» للنووي (٨/ ١٧).
(٢) قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه إن سعى بين الصفا والمروة على غير طهر- أن ذلك يجزئه. وانفرد الحسن فقال: إِنْ ذَكَر قبل أن يحل، فليُعِد الطواف. «الإجماع» (ص: ٥٦).
(٣) قال النووي: مذهب الجمهور أن السعي يصح من المُحْدِث والجُنُب. «المجموع» (٨/ ٧٩).
(٤) صحيح دون لفظة: (ولا بين الصفا والمروة) فهي شاذة.
مدار هذا الحديث على مالك عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، به.
واختُلف على مالك: فرواه يحيى الليثي، وزاد فيه: «ولا بين الصفا والمروة»، أخرجه مالك (٢٢٤).
وخالف يحيى سائرُ أصحاب مالك ولم يَذكروها، منهم: عبد الله بن يوسف عند البخاري (١٦٥٠)، وإسماعيل بن أبي أويس، ويحيى التميمي، كلاهما عند مسلم (١٢١١)، والشافعي في «مسنده» (١/ ٣١٠)، وابن مهدي، عند النَّسَائي (٢٧١٥)، ومحمد بن الحسن الشيباني في روايته ل «الموطأ» (٤٦٥)، وعبد الله بن وهب، وعند أبي عَوَانة (٣١٧٨)، وخالد بن مَخْلَد عند الدارمي (١٨٨٨).
وغيرهم، جميعًا: عن مالك بن أنس، بدون هذه الزيادة.
وتابع مالكًا بدون ذكر الزيادة: ابن عُيينة، عند البخاري (٢٩٤)، ومسلم (١٢١١)، وعبد العزيز بن أبي سلمة، عند البخاري (٣٠٥)، ومسلم (١٢١١)، وحماد بن سلمة، عند مسلم (١٢١١)، وسفيان الثوري، عند ابن حِبان (٣٩٣٥). وعمرو بن الحارث، عند أبي عَوَانة (٣١٧٨).
وغيرهم، جميعًا: عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، به، بدون هذه الزيادة.
ورواه أفلح بن حُميد، عند البخاري (١٥٦٠)، ومسلم (١٢١١)، ومالك بن دينار، عند البخاري (١٥١٦) وعُبيد الله بن عمر، عند مسلم (١٢١١) وغيرهم: عن القاسم عن عائشة، به، بدون الزيادة.
وتابع القاسمَ بن محمد جماعة من التابعين عن عائشة، ولم يذكروها، منهم: عروة بن الزبير، عند البخاري (١٥٥٦)، ومسلم (١٢١١)، وعَمْرة بنت عبد الرحمن، عند البخاري (١٧٠٩)، ومسلم (١٢١١). وابن أبي مُلَيْكة، عند البخاري (٢٩٨٤). وأبو سلمة بن عبد الرحمن، عند البخاري (١٧٣٣، ٤٤٠١) وغيرهم عن عائشة، ولم يَذكروا زيادة: «ولا بين الصفا والمروة».
وهي شاذة لتفرد يحيى بن يحيى بذكرها، وقد خولف ممن هو أوثق منه من سائر أصحاب مالك، وكذا سائر الرواة عن عبد الرحمن بن القاسم، وسائر الرواة عن القاسم بن محمد وسائر رواة الحديث.

<<  <   >  >>