للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: أن النبي نَحَر خَمْس بَدَنات، ثم قال: «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» ولم يُوزِّع ولم يُنِب مَنْ يُوزِّع، وإنما ذَبَحها وتَرَكها لمستحقيها.

ونوقش بأن قوله : «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» ليس فيه دليل على أنه تَرَكها بدون توزيع، والذي فيه أن النبي أَذِن لمن حضر أن يأخذ من اللحم ما يريد.

واستدلوا بما روى ابن عباس، أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا، فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ» (١).

وَجْه الدلالة: أن النبي أَمَره بالذبح وعدم الأكل منها، ولم يأمره بتوزيع اللحم.

ونوقش بأن النبي لم يأمره بتوزيع اللحم لأن هذا أمر معلوم، وهل أَمَره بالذبح لكي يتركه حتى تَفسد بدون توزيع؟!

والراجح: أن توزيع الهَدْي يجب، فمَن ذَبَح الهَدْي وتَرَكه حتى فَسَد، ولم يوزعه؛ لم يجزئه. وإن خَلَّى بينه وبين المساكين جاز؛ لقوله : «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ».

المبحث الرابع: ذَبْح الهَدْي خارج الحرم في فِجاج مكة:

سبب دخول هذه المسألة في النوازل هو أن مكة قد اتسعت عمرانيًّا، حتى إن بعض أطرافها قد خرجت خارج حدود الحرم، فهل هذه الأطراف يشملها حُكم الحَرَم أم لا؟

قد تضافرت النصوص على عدم جواز ذبح الهَدْي في غير الحَرَم، وقد دل على ذلك عموم قوله تعالى في الهدايا: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ وقوله تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ وما بَلَغ الحَرَم فقد بَلَغ الكعبة.

وقد نُقل الإجماع على عدم جواز ذبح الهَدْي في غير الحَرَم (٢).


(١) رواه مسلم (١٣٢٦).
(٢) قال ابن عبد البر: وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَنْ نَحَرَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَلَمْ يَكُنْ مُحْصَرًا، أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. «الاستذكار» (٤/ ٢٩٩).

<<  <   >  >>