للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نسك مزدلفة من حين وصول الحاج قادمًا لها من عرفة (١).

المبحث السابع: حُكْم دفع غير الضَّعَفة قبل الفجر من مزدلفة:

أَجْمَع العلماء على جواز دفع الضعفة قبل الفجر من مزدلفة (٢).

واختلفوا في حُكْم دفع غير الضعفة قبل الفجر من مزدلفة على قولين:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى جواز دفع غير الضعفة قبل الفجر من مزدلفة، بعد الإتيان بالقَدْر المجزئ؛ لأنه لَمَّا رُخِّصَ فِيهِ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، عُلِمَ أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ (٣).

القول الآخَر: عدم جواز دفع غير الضَّعَفة قبل الفجر من مزدلفة. وهو مذهب الحنفية، وأوجبوا عليه دمًا؛ لأن الوقوف الواجب عندهم بعد طلوع الفجر، والرخصة إنما جاءت في حق الضعفة. واختاره بعض الحنابلة ولم يَذكروا دمًا (٤).

قال النووي: اسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي دَفْعِ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ. (فَإِنْ قِيلَ:) إنَّمَا أُرْخِصَ فِي الدَّفْعِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِلضَّعَفَةِ. (قُلْنَا): لَوْ كَانَ حَرَامًا، لَمَا اخْتَلَفَ بِالضَّعَفَةِ وَغَيْرِهِمْ.

والراجح: ما ذهب جمهور العلماء، أي: جواز دفع الأقوياء غير المعذورين قبل الفجر من مزدلفة إلى مِنًى، إن كانوا قد أتوا بالقَدْر المجزئ من نسك مزدلفة.

ومجيء الأحاديث الصحيحة في الإذن للضَّعَفَة بالدَّفْع بليل- يُفْهَم منها إتيانهم بالقدر الواجب، وأن ما بعده من كمال النسك؛ إذ لو كان هذا القَدْر غير مفيد في الإتيان بالواجب، لم يكن هناك معنى لتأخير الإذن للضَّعَفة حتى مغيب القمر، ولأَذِن لهم بمجرد وصولهم مزدلفة، ولكن الأَوْلَى والأكمل هو اتباع سُنة النبي ، أي: المبيت بمزدلفة وصلاة الفجر بها والدعاء، ثم الدفع قبل طلوع الشمس، والله أعلم.


(١) قال ابن تيمية: الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْسَ بِمَحْدُودِ الْمُبْتَدَأِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَجِيئُونَ إِلَيْهَا عَلَى قَدْرِ سَيْرِهِمْ. «شرح العمدة» (٢/ ٦٢٠).
(٢) قال ابن قُدامة: وَلَا بَأْسَ بِتَقْدِيمِ الضَّعَفَةِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَلِأَنَّ فِيهِ رِفْقًا بِهِمْ، وَدَفْعًا لِمَشَقَّةِ الزِّحَامِ عَنْهُمْ، وَاقْتِدَاءً بِفِعْلِ نَبِيِّهِمْ . «المغني» (٥/ ٢٨٦).
(٣) «المجموع» (٨/ ١٥١)، و «شرح العمدة» (٢/ ٧٨).
(٤) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٦)، و «زاد المعاد» (٢/ ٢٣٣).

<<  <   >  >>