للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣].

واستدلوا بأن النبي رَخَّص للعباس ولرعاة الإبل في ترك المبيت بمِنًى، ولم يُرخِّص لهم في ترك الرمي، فدل ذلك على وجوب الرمي.

[المبحث الرابع: الحكمة من رمي الجمار]

الرمي فيه اقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم ، ويُقصَد به الانقياد للأمر وإظهار العبودية، بعيدًا عن تخبطات العقل وهواجسه.

ومِن أهم حِكم رمي الجمار ما يلي:

الأولى: هي طاعة لله، بامتثال أمره على لسان نبيه (١).

الثانية: أن الرمي شُرع لإقامة ذكر الله.

لعموم قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣].

وَيَدْخُلُ فِي الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ رَمْيُ الْجِمَارِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ الْآيَةَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ شُرِعَ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ.

الثالثة: الِاقْتِدَاءُ بِإِبْرَاهِيمَ فِي عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ وَرَمْيِهِ، وَعَدَمِ الِانْقِيَادِ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ [الممتحنة: ٤] الْآيَةَ، فَكَأَنَّ الرَّمْيَ رَمْزٌ وَإِشَارَةٌ إِلَى عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِهَا (٢).


(١) قال النووي: اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْعِبَادةِ الطَّاعَةُ، والعِبَادَاتُ كُلهَا لَهَا مَعَانٍ قَطْعًا؛ فإِنَّ الشَّرْعَ لَا يأْمُرُ بِالْعَبَثِ، ثُمَّ مَعْنَى الْعِبَادَاتِ قَدْ يَفْهَمُهُ المُكَلَّفُ وَقَدْ لَا يَفْهَمُهُ … وَمِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتي لَا تُفْهَمُ مَعَانِيهَا السَّعْيُ وَالرَّمْيُ، فَكُلّفَ الْعَبْدُ بِهَا لِيَتِمَّ انْقِيادُهُ؛ فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا حَظَّ للنَّفْسِ فِيهِ وَلَا أُنسَ لِلْعَقْلِ بِهِ، فَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ إِلَّا مُجَرَّدُ امتِثَالِ الأَمْرِ وَكَمالِ الانْقِيَادِ. «الإيضاح» (ص: ٣٧٣).
(٢) وقد ورد هذا المعنى عن ابن عباس، وله طريقان:
الطريق الأول: ما رواه الحاكم (١٧١٣): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ قَالَ: «لَمَّا أَتَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللهِ الْمَنَاسِكَ، عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الشَّيْطَانَ تَرْجُمُونَ، وَمِلَّةَ أَبِيكُمْ تَنْعُونَ». قلت: وفي إسناده (محمد القُرَشي) ضَعَّفه الدارقطني، وقال الحاكم في «التاريخ»: ثقة مأمون، واتهمه الذهبي بالوضع. «لسان الميزان» (٦/ ٤٩٣).
الطريق الثاني: رَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. رواه أحمد (٢٧٩٤).
وفي إسناده عطاء بن السائب، اختَلَط، وحماد روى عنه قبل الاختلاط وبعده.
ورواه حَمَّاد، عن أبي عاصم، عن أبي الطُّفَيْل به، عند أحمد (٢٧٠٧) وأبو عاصم الغَنَوِيّ مجهول.

<<  <   >  >>