للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرط الثالث: البلوغ، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: حُكْم حج الصبي:

البلوغ ليس شرطًا لصحة الحج، وقد أجمعوا على صحة حج الصبي المُميِّز (١).

واختلفوا في حج الصبي غير المُميِّز على قولين:

القول الأول: يصح حجه. وهو مذهب المالكية في المشهور، والشافعية والحنابلة (٢).

واستدلوا بالسُّنة والمأثور:

أما السُّنة، فما رواه مسلم: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» (٣).

وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ (٤).

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ حَجُّ الصَّبِيِّ وَيَنْعَقِدُ، سَوَاءٌ كَانَ مُمَيِّزًا أَمْ لَا.

قال الطحاوي: الْحَدِيثُ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَخْبَرَ أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا، وَهَذَا مِمَّا قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ جَمِيعًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا، كَمَا أَنَّ لَهُ صَلَاةً.

القول الآخَر: لا يصح حج الصبي غير المُميِّز. وبه قال أبو حنيفة، ومالك في رواية (٥).

واستدلوا بأن الأصل هو أن العبادة لا تصح من غير عاقل، وإذا كان القلم رُفِع عن الصبي فكيف يُقْبَل حجه؟!


(١) الصبي المُميِّز: (هو الذي يَفهم الخطاب ويُحْسِن رد الجواب ومقاصد الكلام. ولا يُضْبَط بسن مخصوصة، بل يختلف باختلاف الأفهام. وقيل: هو الذي عَقَل الصلاة والصيام). «مواهب الجليل» (٣/ ٤٣٥)، و «المجموع» (٧/ ٢٩).
فقد نَقَل غير واحد الإجماع على صحة وقوع الحج من الصبي قبل البلوغ. فقَالَ الْقَاضِي: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْحَجِّ بِالصِّبْيَانِ. وَإِنَّمَا مَنَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِمْ، بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ بِفِعْلِ النَّبِيِّ . «شرح مسلم» (٩/ ٩٩)، وكذا نَقَله الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢/ ٢٥٧).
(٢) «المدونة» (١/ ٢٩٨)، و «مغني المحتاج» (١/ ٤٦١)، و «المغني» (٣/ ٧. ٢).
(٣) أخرجه مسلم (١٣٣٦).
(٤) أخرجه البخاري (١٨٥٨).
(٥) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٤٥٨)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٨٣).

<<  <   >  >>