للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بالقياس، فكما أن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد، فكذا الواحدة من الإبل أو البقر لا تجزئ إلا عن واحد.

ونوقش بأنه لا قياس مع النص، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ، فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. والله أعلم.

المبحث الخامس: مكان ذبح الهَدْي:

نَقَل الإجماع غير واحد على أن مكان نحر الهَدْي هو الحَرَم (١).

يجب أن يكون ذبح الهَدْي في الحَرَم، ولا يختص بمِنًى، ولكن الأفضل أن يكون بمِنًى. وهذا مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة (٢).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة والمعقول:

أما الكتاب، فقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وفُسِّر محله بأنه الحَرَم عند القدرة على إيصاله. وقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣]، ومعلوم أنه لم يُرِد الكعبة بعينها، وإنما أراد الحرم. فهاتان الآيتان تدلان على أن مكان النحر هو الحَرَم.

وأما السُّنة، فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» (٣).

وأن النبي نَحَر هديه في مِنًى، وقال: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ».

وَجْه الدلالة: أن نَحْر الهَدْي لا يُجْزِئ إلا بِمِنًى أو بمكة (٤).

وأما المعقول، ف: الْهَدْيُ سُمِّيَ هَدْيًا لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْهَدِيَّةِ الَّتِي يَبْعَثُهَا الْعَبْدُ إِلَى رَبِّهِ، وَالْهَدِيَّةُ لَا تَكُونُ هَدِيَّةً إِلَّا إِذَا بَعَثَهَا الْمُهْدِي إِلَى دَارِ الْمُهْدَى إِلَيْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بِجَعْلِ مَوْضِعِ الْهَدْيِ هُوَ الْحَرَمُ (٥).


(١) نَقَله ابن رُشْد في «بداية المجتهد» (١/ ٣١٠)، والماوردي في «الحاوي» (٤/ ٢٣٠)، والنووي في «المجموع» (٨/ ١٤٥).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٢٤)، و «المجموع» (٨/ ١٨٧ - ١٩١)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٧٦).
(٣) رواه مسلم (١٢٩٧).
(٤) قال ابن حزم: وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ وَيَنْحَرَهُ إلَّا بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ. «المُحَلَّى» (٥/ ١٥٨).
(٥) «تفسير الرازي» (٥/ ٣٠٦)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٠٠).

<<  <   >  >>