للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الرابع: حُكْم الطواف راكبًا من غير عذر.

اختَلف العلماء على ثلاثة أقوال في حُكم مَنْ طاف راكبًا مع قدرته على المشي:

القول الأول: أن الطواف ماشيًا مع القدرة سُنة. وبه قال الشافعية، ورواية للحنابلة (١).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما القرآن، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩].

وَجْه الدلالة: أن الله أَمَر بالطواف مطلقًا، فكيفما طاف ماشيًا أو راكبًا أجزأه.

وأما السُّنة، ففي «الصحيحين»: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ» فالنبي طاف راكبًا من غير حاجة، فهذا بيان للجواز.

ونوقش بأن طواف النبي راكبًا كان لشكوى أَلَمَّتْ به. دل على ذلك ما ورد عن ابن عباس، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ (٢).

وأجيب عنه بأن هذا الحديث ضعيف، وأن الأحاديث الصحيحة الثابتة مُصرِّحة بأن طوافه راكبًا لم يكن لمرض، بل كان ليراه الناس، ويسألوه، ولا يُزاحِموا عليه (٣).

وقد روى مسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: «طَافَ النَّبِيُّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ» (٤).

القول الثاني: أن المشي مع القدرة واجب، فمَن طاف راكبًا مع القدرة جَبَر ذلك بدم. وهو مذهب الحنفية، والمالكية في المشهور، ورواية عن الحنابلة (٥).


(١) «الأم» (٢/ ١٧٤)، و «الحاوي» (٤/ ١٥١)، و «المغني» (٥/ ٢٥٠)، و «المُحَلَّى» (٧/ ١٨٠).
(٢) ضعيف: أخرجه أبو داود (١٨٨٣)، وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وقد تَفَرَّد به.
(٣) «المجموع» (٨/ ٢٧).
(٤) ويدل على هذا المعنى: ما ورد عن أبي الطُّفَيْل قال: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: … إِنَّ رَسُولَ اللهِ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ … فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ. وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ.
(٥) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٠ - ١٣٤)، و «المدونة» (٢/ ٤٠٩)، و «الإنصاف» (٤/ ١٣١).

<<  <   >  >>