للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يَجوز لبس شيء مُفصَّل عليه؛ لأن المرأة في حاجة إلى سَتر وجهها، فلم يَحرم عليها ستره على الإطلاق كالعورة، فلها أن تغطي وجهها ويديها، لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو، كما أن الرجل لا يَلبس السراويل ويَلبس الإزار.

المطلب الرابع: هل يُشترَط في تغطية المُحْرِمة وجهها ألا يمس الوجه؟

اختَلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

الأول: أنه لا يُشترَط مباعدة الساتر المسدل عن وجه المرأة المُحْرَمة، فلا تُكلَّف المُحْرِمة أن تجافي سترتها عن الوجه، لا بعُود ولا بغيره. وهذا مذهب المالكية، والحنابلة في الصحيح عنهم (١).

واستدلوا بأن أزواج النبي ونساء الصحابة كُنَّ يَسدلن على وجوههن، ولا شك أن الثوب المسدول لا يَسْلَم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطًا لبَيَّن، وإنما مُنعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما مما يُعَد لسَتْر الوجه (٢).

القول الثاني: اشتراط مجافاة الساتر المسدول عن وجه المرأة بخشبة ونحوها، وتجب الفدية بملامسة الوجه لذلك الساتر. وبه قال الحنفية والشافعية، وقول للحنابلة (٣).

واستدلوا بما رواه ابن عمر، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «إِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا».

وَجْه الدلالة: أنه إذا كان لا يَجوز للرَّجُل المُحْرِم أن يضع على رأسه شيئًا ملاصقًا للرأس كالطاقية، ويَجوز له أن يستظل بالشمسية لأنها غير مُلاصِقة، فكذا يَجوز للمرأة ستر وجهها مع مجافاة الساتر المسدل عن وجهها بخشبة ونحوها؛ لتَستتر به عن نظر الرجال إليها كالشمسية.

ونوقش بأن هذا الحديث لا يصح.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً قَدْ سَدَلَتْ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، فَقَالَ لَهَا: اكْشِفِي وَجْهَكِ؛ فَإِنَّمَا حُرْمَةُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا (٤).

ونوقش بأنه ثَبَت أن نساءه ونساء الصحابة كن يَسدلن على وجوههن، وهن أعلم


(١) «الاستذكار» (٤/ ١٤)، و «التفريع» (١/ ٣٢٣)، و «المغني» (٥/ ١٥٥)، و «الفروع» (٥/ ٥٢٩).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ١١٢)، و «الشرح الكبير على المقنع» (٣/ ٣٢٤).
(٣) «المبسوط» (٤/ ١٢٨)، و «الأم» (٢/ ١٤٩)، و «الحاوي» (٤/ ١٤٩)، و «المغني» (٥/ ١٥٥).
(٤) إسناده صحيح: أخرجه الطحاوي في «أحكام القرآن» (١٢١٣).

<<  <   >  >>