للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَصْدُق عليه أنه ذَكَر الله ووقف بمزدلفة عند المَشْعَر الحرام.

وأما السُّنة، فاستدلوا بعموم قول النبي : «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ» أي: صلاة الفجر «وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ» فمَن وقف بها بمثل هذا المقدار، فقد أَدَّى الواجب.

القول الخامس: أن المبيت بمزدلفة سُنة، فمَن فَعَله فقد أَحْسَن، ومَن تَرَكه فلا حرج عليه. وهو قول للشافعية، وقول عطاء والأوزاعي (١).

واستدلوا بعموم قول النبي : «إِنَّمَا جَمْعٌ مَنْزِلٌ لِدَلْجِ المُسْلِمِينَ» أي أن مزدلفة منزل راحة بين عرفات ومِنًى، فمَن شاء نزل بها. وفِعل الرسول يدل على الاستحباب.

والراجح: أن المبيت الواجب هو مُعْظَم الليل، فيَجوز الدفع من مزدلفة إلى مِنًى بعد غياب القمر وقبل طلوع الفجر؛ لِما رُوي عن ابن عباس قال: بَعَثَ بِي رَسُولُ اللهِ بِسَحَرٍ مِنْ جَمْع. والسَّحَر لا يكون إلا بعد غياب القمر، ويَجوز لمن كان بصحبة ضَعَفةٍ الانصرافُ معهم بعد غياب القمر للقيام على مصالحهم، والإذن للضَّعَفة إِذْن لهم (٢).

المبحث الخامس: القَدْر المجزئ من نسك مزدلفة:

اختَلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: ذهب جماهير العلماء إلى أن القَدْر المجزئ في مزدلفة لحظة، فمَن وَقَفَ ولو لحظة واحدة فقد قام بالواجب.

ويُعبِّر عنه الحنفية بالوقوف لحظة. ويُعبِّر عنه المالكية بحط الرحال. ويُعبِّر عنه الشافعية بالساعة. وقيل: المراد بالساعة مطلق الزمن، فلا ينافي تعبير غيره باللحظة.

واستدلوا بقياس مزدلفة على عرفة، فإذا كان القَدْر المجزئ في الوقوف بعرفة يُقَدَّر بلحظة، وهو ركن الحج الأعظم، فنسك المزدلفة أَوْلَى.

وإنما محل اختلافهم في وقت إيقاع هذه اللحظة.


(١) «المجموع» (٨/ ١٢٤)، و «نَيْل الأوطار» (٥/ ١٤١).
(٢) قال ابن تيمية: وَلَمْ يَجِئْ تَوْقِيتٌ إِلَّا حَدِيثِ أَسْمَاءَ، قَدْ رَوَتِ الرُّخْصَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَجَعَلَتْهَا مُؤَقَّتَةً بِمَغِيبِ الْقَمَرِ، وَلَيْسَ فِي الْبَابِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا. «شرح العمدة» (٢/ ٦١٨). وقال ابن القيم: وَلَيْسَ مَعَ مَنْ حَدَّهُ بِالنِّصْفِ دَلِيلٌ. «زاد المعاد» (٢/ ٢٣٣).

<<  <   >  >>