للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الآخَر: أن المُحْصَر في العمرة يحل مطلقًا حين يُحْصَر، بعد أن ذبح هديه ويَحلق، بخلاف المُحْصَر في الحج، فلا يحل إلا يوم النحر. وهو قول أبي يوسف ومحمد صاحبَي أبي حنيفة، وأَشْهَب من المالكية، ورواية عن أحمد (١).

واستدلوا بِأَنَّ لِلْهَدْيِ مَحِلَّ زَمَانٍ وَمَحِلَّ مَكَان، فَإِنْ عَجَزَ مَحِلُّ الْمَكَانِ فَسَقَطَ، بَقِيَ مَحِلُّ الزَّمَانِ وَاجِبًا لِإِمْكَانِهِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ نَحْرُ الْهَدْيِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، لَمْ يَجُزِ التَّحَلُّلُ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] (٢).

واعتُرض عليه بأن هذا استدلال مقابل النص؛ إذ دل على أن المُحْصَر يحل مطلقًا حين يُحْصَر، بعد أن ذَبَح هديه وحَلَق رأسه، وأن التحلل شُرِع للتخفيف والتيسير.

وإذا قيل بتأجيل التحلل إلى يوم النحر، فهذا فيه مشقة على المُحْرِم، خاصة إذا كان قد أُحْصِرَ في أول أيام أشهر الحج، والله يقول: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وعلى هذا فمَن مُنع من نسكه لعدم حمله تصريحًا ولم يَشترط، فحُكمه حُكم المُحْصَر، يَنحر هديه ويَحلق ويحل، فمَن لم يجد الهَدْي فإنه يصوم.

[المبحث الرابع: حكمة مشروعية التحلل]

شَرَع الله التحلل لحاجة المُحْصَر إليه، ورَفْع للحرج والضرر عنه؛ حتى لا يَظل مُحْرِمًا إلى أن يندفع عنه المانع من إتمام الحج أو العمرة (٣).


(١) «المبسوط» (٤/ ١٠٩)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٣٧٦)، و «شرح العمدة» (٢/ ٣٧٢).
(٢) «المغني» (٥/ ١٩٨).
(٣) وقال الكاساني: المُحْصَر محتاج إلى التحلل؛ لأنه مُنِع عن المضي في موجب لإحرام على وجه لا يمكنه الدفع، فلو لم يَجُز له التحلل لبقي مُحْرِمًا لا يحل له ما حظره الإحرام، إلى أن يزول المانع، فيمضي في موجب الإحرام، وفيه من الضرر والحرج ما لا يخفى. فمست الحاجة إلى التحلل والخروج من الإحرام؛ دفعًا للضرر والحرج، وسواء كان الإحصار عن الحج أو عن العمرة، أو عنهما، عند عامة العلماء. «بدائع الصنائع» (٢/ ١٧٧).

<<  <   >  >>