للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذهب الشافعية والحنابلة (١).

واستدلوا بعموم قول النبي : «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ».

فهذا صريح في أن يكون آخِر عهد الحاج بمكة الطواف، ولا يمكث بعده. ومَن تشاغل كان آخِر عهده ما انشغل به، وما سُمي (طواف الوداع) إلا لأنه إنما وَجَب توديعًا للبيت.

القول الثاني: يَجوز للحاج المكث بعد طواف الوداع ما شاء أن يمكث؛ لأن طواف الوداع لوداع النسك لا لوداع مكة، مع أن الأفضل طوافه للوداع. وهذا مذهب الحنفية (٢).

ونوقش بأنه لو كان لوداع النسك لا لوداع مكة، لوجب على أهل مكة طواف الوداع.

القول الثالث: أنه لا يعاد طواف للوداع إذا لم يَزد عن مُقام يوم وليلة بعد أدائه. وهذا مذهب المالكية (٣).

والراجح: أن مَنْ طاف للوداع ثم أقام مدة طويلة عرفًا، فإنه يعيد الطواف؛ لعموم قول النبي : «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ».

وإن أقام مدة يسيرة عرفًا، فإنه لا يعيد طواف الوداع، فيُغتفَر له أن يشتغل بعد طواف الوداع بأسباب السفر، كشراء الزاد، أو حَمْل الأمتعة أو انتظار رفقة … ونحو ذلك ولا يعيده؛ لأنه قد يكون في بعض الأحيان هناك مشقة في الطواف بعد الفجر، فإن طاف الساعة الثانية ليلًا فإنه يَجوز؛ لعدم الحرج والمشقة (٤).

المبحث الثالث: دخول طواف الوداع في طواف الإفاضة: وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حُكْم دخول طواف الوداع في طواف الإفاضة:

إذا أَخَّر الحاج طواف الإفاضة إلى آخِر أيام التشريق وبعد أيام مِنًى، ثم طاف الإفاضة بعد نهاية مناسكه، وأراد أن يرجع إلى بلده بعد طواف الإفاضة، فهل يَجوز أن يرجع إلى


(١) «المبسوط» (٤/ ٢٩)، و «الحاوي» (٤/ ٢١٢)، و «المجموع» (٨/ ٢٥٥)، و «المغني» (٥/ ٣٣٨).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٤٣)، و «فتح القدير» (٢/ ٢٩٧).
(٣) «المُنتهَى شرح الموطأ» (٢/ ٢٩٣).
(٤) قال ابن عثيمين: ويَجعل طواف الوداع آخِر عهده بالبيت إذا أراد أن يرتحل للسفر، فإن بقي بعد الوداع لانتظار رفقة، أو تحميل رحله، أو اشترى حاجة في طريقه؛ فلا حرج عليه، ولا يعيد الطواف. «مجموع فتاوى ابن عثيمين» (٢٤/ ٣٨٧).

<<  <   >  >>