للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلده، ويكفي طواف الإفاضة عن طواف الوداع أم لا؟ على قولين:

القول الأول: يَسقط عنه طواف الوداع؛ وذلك لأن آخِر عهده بالبيت الطواف. وهو مذهب المالكية، والمشهور عند الحنابلة (١).

واستدلوا بالسُّنة والقياس:

أما السُّنة، فعن ابن عباس قال: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ».

فإذا كان الحاج أُمِر أن يكون آخِر عهده بالبيت الطواف، وقد فَعَل ما أُمِر به، وقد ودع البيت بعد طواف الإفاضة ورجع إلى بلده، فيسقط عنه طواف الوداع.

وأما القياس، فيقاس طواف الوداع على طواف القدوم، بأنه إذا كان طواف القدوم يَسقط عن الحاج المتمتع؛ لأنه انشغل بطواف العمرة، فكذا لا يجب طواف الوداع.

القول الآخَر: أن الحاج إذا أَخَّر طواف الإفاضة بعد الانتهاء من مناسكه، وأراد أن يرجع إلى بلده، فلا يَرجع إلى بلده حتى يطوف طوافًا آخَر للوداع أو يَجبر ذلك بدم لأنه واجب. وهو مذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة في رواية (٢).

واستدلوا بالسُّنة والقياس:

أما السُّنة، فعموم قول النبي : «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أي: الطواف، والمراد به هنا طواف الوداع، وليس طواف الإفاضة.

ونوقش بأن مَنْ طاف للإفاضة ثم رجع إلى بلده في الحال، فقد فَعَل ما أُمِر به ووَدَّع البيت بالطواف، وإن كان طوافه هو طواف الإفاضة.

وأما القياس، فاستدلوا بأنهما عبادتان واجبتان، فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى.

والراجح: ما ذهب إليه جمهور العلماء، وهو أن الحاج إذا أَخَّر طواف الإفاضة إلى آخِر أيام التشريق وبعد الانتهاء من مناسكه، وأراد أن يرجع إلى بلده، يَسقط عنه طواف الوداع؛ وذلك لأنه فَعَل ما أُمِر به، وجَعَل آخِر عهده بالبيت الطواف.

ولكن ينبغي لمن أراد أن يُدخِل طواف الوداع في طواف الإفاضة- أن تكون نيته عن


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٣٤٣)، و «المُنتقَى» (٢/ ٢٩٣)، و «المغني» (٥/ ٣٣٨)، و «الفروع» (٦/ ٦٤).
(٢) «المبسوط» (٤/ ٤٣)، و «مغني المحتاج» (١/ ٥١٠)، و «كشاف القناع» (٢/ ٥١٣).

<<  <   >  >>