للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: أن هذا الحديث كان متأخرًا في حجة الوداع بعرفة، والنبي أطلق أن مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ولو كان قَطْع الخفين شرطًا لبَيَّنه النبي .

والراجح: أن لم يجد النعلين فليلبس الخفين من غير قطعهما؛ لأسباب أربعة:

الأول: أن حديث ابن عمر عن النبي قال: «إِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الكَعْبَيْنِ» منسوخ بحديث ابن عباس قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: «مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ».

الثاني: موافقة حديث جابر لحديث ابن عباس.

الثالث: عَمَل الصحابة بمقتضى حديث ابن عباس، فقد ذَكَر ابن تيمية: أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ، مِثْلَ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ- رَخَّصُوا فِي لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ، وَتَرْكِ قَطْعِهِمَا (١).

الرابع: موافقة القياس الصحيح لحديث ابن عباس، فكما أن مَنْ لم يجد إزارًا فليَلبس السروال بغير قطع، فكذا مَنْ لم يجد النعلين فليلبس الخفين من غير قطع. ولأن الخف متى قُطِع حتى يكون أسفل من الكعبين ويصير كالحذاء- لا يسمى خفًّا ولا يُمسَح عليه.

المطلب الثالث: حُكْم لبس الخفين المقطوعين، مع وجود النعلين:

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين (٢):

الأول: يَجوز لبس الخفين المقطوعين، مع وجود النعلين؛ لأن الخف المقطوع


(١) «شرح العمدة» (٢/ ٣٨).
(٢) وسبب اختلافهم هو: هل الخُف المقطوع أصل كالنعل، أو أنه بدل عن الخف الصحيح؟ فمَن يقول: (إنه أصل) فإنه يُجَوِّز لبسه مع وجود النعل. ومَن يقول: (إنه بدل) فإنه لا يُجَوِّز لبسه إلا عند فقد النعل.

<<  <   >  >>