للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول:

حُكْم المبيت بجوار مِنًى لمن لم يجد مكانًا مناسبًا للمبيت فيها

اختَلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: يجب عليه أن يبيت في أقرب مكان يلي مِنًى؛ لعموم قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]. وهو فتوى اللجنة الدائمة، وقول ابن عثيمين (١).

واستدلوا بقياس امتلاء مِنًى على امتلاء المسجد، فإن المسجد إذا امتلأ وجب على الناس أن يُصَلُّوا حوله لتتصل الصفوف؛ حتى يكونوا جماعة واحدة. والمبيت نظير هذا. ولأن ما جاور الشيء يُعطَى حُكْمه، وأن الزيادة لها حكم المَزيد.

ونوقش بأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الصلاة في حاجة لاتصال الصفوف من أجل الإمام والاقتداء، وليس هناك اقتداء في المبيت بمِنًى.

واستدلوا بأن المقصود من المبيت أن يكون الناس مجتمعين أُمَّة واحدة، وهذا من أعظم مقاصد الحج، وهو توحيد الناس في عبادتهم وفي لبسهم وفي مبيتهم، فالواجب أن يكون الإنسان عند آخِر خيمة حتى يكون مع الحجيج.

ونوقش بأن هذا الاجتماع قد حَصَل بغيرهم، فقد اكتظت بالحجاج، وهو إنما تَرَك الاجتماع معهم لتَعَّذُّر المكان. وبأنه لا يمكن اتصال الصفوف؛ لأن حد مِنًى الشرقي وادي مُحَسِّر، والسُّنة عند عبوره الإسراع فيه؛ فكيف يقال باستحباب المبيت فيه؟! وحَدُّ مِنًى الغربي من جهة مكة عبارة عن طرق للجمرات، ولا يمكن مكث الحاج فيها!


(١) وقد أفتت اللجنة الدائمة (١١/ ٢٦٦) بأن أماكن الحج وأزمنته محددة من الشارع، وليس فيها مجال للاجتهاد، وقد حج رسول الله حجة الوداع، وقال فيها: «خذوا عني مناسككم»، وبَيَّن فيها الأزمنة والأمكنة. وحدود مِنًى: من وادي مُحَسِّر إلى جمرة العقبة، فعلى مَنْ حج أن يلتمس مكانًا له داخل حدود مِنًى. فإِنْ تَعَذَّر عليه حصول المكان، نَزَل في أقرب مكان يلي مِنًى ولا شيء عليه.
وسُئل ابن عثيمين عن الحاج لا يجد مكانًا في مِنًى، هل يجزئه أن يبيت خارج مِنًى؟
فأجاب: لا حرج عليه أن يبيت خارج مِنًى؛ لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ ولكن يكون منزله متصلًا بمنازل الحُجاج، كالجماعة إذا امتلأ المسجد، يَصُفون عند نهاية الصفوف، ويكون لهم حكم المصلين داخل المسجد. «مجموع فتاوى العثيمين» (٢٣/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>