للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث: وجوب الهَدْي على القارن:

أَجْمَع العلماء على وجوب الهَدْي على القارن الذي ساق الهَدْي معه.

واختلفوا في وجوب الهَدْي على القارن الذي لم يَسُق الهَدْي، على قولين:

القول الأول: أنه يجب. وذلك باتفاق المذاهب الأربعة (١).

واستدلوا بعموم قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وَجْه الاستدلال: أن القارن مُتمتِّع بالعمرة إلى الحج، فهو يعتمر ويحج في سفر واحد، وقد سَمَّاه الصحابة متمتعًا، فيكون داخلًا في عموم هذه الآية.

واستدلوا بما رُوي: عَنِ الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا، وَإِنِّي أَسْلَمْتُ، فَأَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ لِي: اجْمَعْهُمَا (بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ) وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ، وَإِنِّي أَهْلَلْتَ بِهِمَا مَعًا، فَقَالَ لِي عُمَرُ : هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ (٢).

القول الآخَر: عدم وجوب الهَدْي على القارن. وهو مروي عن الحَسَن بن علي، وطاوس. وهو رواية عند الحنابلة، وداود الظاهري، وابن حزم (٣).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة.

أما الكتاب، فعموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وَجْه الدلالة: ظاهر القرآن أن الدم يجب على المتمتع دون المُفْرِد والقارن، والعلة الموجبة للدم في التمتع هي استمتاعه بمحظورات الإحرام بين الحج والعمرة، والقارن ليس كذلك؛ لأنه سيَبقى مُحْرِمًا من حين يُحْرِم إلى يوم العيد.


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٧٤)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٥٦)، و «المجموع» (٧/ ١٩٠)، و «المغني» (٥/ ٣٥٠).
قال ابن حجر: وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ يُهْدِي. وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: لَا هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ. «فتح الباري» (٤/ ٧).
(٢) إسناده صحيح: رواه أبو داود (١٧٩٩) وسيأتي تفصيله في حُكْم العمرة، إن شاء الله.
(٣) «المغني» (٥/ ٣٥٠)، و «المُحَلَّى» (٥/ ١٧٧).

<<  <   >  >>