للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش من وجهين:

الأول: أن القارن تَرَفَّهَ وتَمَتَّع بسقوط أحد السفرين، فلَزِمه دم كالمُتمتِّعِ.

الثاني: أن رسول الله أَهْدَى عن أزواجه وكُنَّ قارنات، فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَزْوَاجِهِ».

وأما السُّنة، ففي «الصحيحين»: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ … وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ: «دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالحَجِّ» فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ، أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ. فَأَرْدَفَهَا، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صَوْمٌ (١).

فقد صح أن عائشة حجت قارنة، ولم يجعل في ذلك هديًا ولا صومًا.

ونوقش بأن لفظة: «وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ … » مُدرجَة من قول هشام (٢).


(١) رواه البخاري (١٧٨٦)، ومسلم (١٢١١).
(٢) ومدار هذا الحديث على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، واختُلف عنه:
فرواه يحيى القطان عن هشام به، عند البخاري (١٧٨٦)، ورواه عَبْدة بن سُليمان وابن نُمَيْر، كلاهما عن هشام به، عند مسلم (١٢١١).
وهذا الحديث فيه فقرتان مدرجتان:
الأولى: «فَقَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا» مدرج من قول عروة.
الأخرى: «وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ» مدرج من قول هشام.
وقد صَرَّح بهذا الإدراج في عدة روايات، كرواية أبي أسامة والحَمَّادَين عن هشام، عند البخاري (٣١٧) وأبي داود (١٧٧٨) وفيها: قَالَ هِشَامٌ: «وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ» وكرواية وَكيع عن هشام، عند مسلم (١٢١١) وفيها: قَالَ عُرْوَةُ فِي ذَلِكَ: إِنَّهُ قَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا. قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ.
قال ابن بَطَّال: وقوله: (فَقَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ) ليس من لفظ عائشة، وإنما هو لفظ هشام، لم يَذكر ذلك أحد غيره، ولا تقول به الفقهاء. «شرح البخاري» (٤/ ٤٤٤)، ورَجَّح ذلك النووي في «شرح مسلم» (٨/ ١٤٥) وابن حجر في «فتح الباري» (٣/ ٦١٠)، وابن القيم في «حاشيته علي أبي داود» (٥/ ١٣٦).

<<  <   >  >>