للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: النيابة في الحج عن الميت.]

وفيه مطلبان:

[المطلب الأول: النيابة عن الميت في حج الفريضة.]

اختَلف أهل العلم في ذلك على أقوال، أشهرها ثلاثة:

القول الأول: أن الحج عن الميت مجزئ ويَنتفع به الميت، سواء أكان نفلًا أم فرضًا، أوصى به أم لم يُوصِ. وبه قال الحنفية والحنابلة والظاهرية (١).

واستدلوا بالسُّنة: فَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ. قَالَ: فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ» قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «حُجِّي عَنْهَا» (٢).

وَجْه الاستدلال: أن قوله : «حُجِّي عَنْهَا» صريح في مشروعية الحج عن الميت.

القول الثاني: أن مَنْ مات وعليه حجٌّ واجب، بقي الحج في ذمته، ووجب الإحجاج عنه من رأس ماله، سواء أوصى به أم لا؛ لأنه دَين عليه، يجب قضاؤه عنه من ماله قبل قسمة التركة؛ لعموم قوله تعالى في المواريث: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١]. وبه قال الشافعية في رواية، والحنابلة في رواية (٣).

واستدلوا بما ورد: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: «اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ» (٤).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢١٢)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٠٩)، و «المُحَلَّى» (٧/ ٥٢).
(٢) أخرجه مسلم (١١٤٩).
(٣) «الأُم» (٢/ ١١٥)، و «الفروع» (٥/ ٢٩٤)، و «فتاوى ابن باز» (١٦/ ١٢٢).
(٤) البخاري (٧٣١٥).

<<  <   >  >>