للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: إتمام الحج الفاسد]

مَنْ أَفْسَد حجه، فهل يجب عليه إتمامه؟ أم يَخرج منه ولا يُتمه لفساده؟

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: وجوب إتمام الحج الفاسد. وهو قول المذاهب الأربعة (١).

واستدلوا بعموم قول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وجه الدلالة: أن الله أَمَر بالإتمام، ولم يُفَرِّق بين الصحيح والفاسد.

القول الثاني: أنه لا يُشْرَع إتمام الحج الفاسد. وهو قول الظاهرية. (٢)

القول الثالث: أنه يتحلل بعمرة. وهو رواية عند الحنابلة (٣).

والراجح: وجوب إتمام الحج الفاسد، كَمَنْ جامع في عرفة؛ لأن الله أَمَر بالإتمام، ولم يُفَرِّق بين الصحيح والفاسد. وأما مَنْ فاته الوقوف بعرفة، فإنه يتحلل بطواف وسعي وحَلْق.

المبحث الثالث: هل يَلزم مَنْ فاته الحجُّ القضاءُ؟ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حُكْم قضاء الحج الواجب:

نَقَل غير واحدٍ الإجماع على أن مَنْ فاته الحج الواجب، لزمه القضاء (٤).

وإذا قَضَى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة، بالإجماع (٥).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢١٨)، و «المُدوَّنة» (١/ ٦٩٠)، و «الأم» (٢/ ١٣٠)، و «المغني» (٥/ ٤٢٥).
(٢) قال ابن حزم: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إن الله لا يصلح عمل المفسدين [يونس: ٨١] فَمِنَ الْخَطَأِ تَمَادِيهِ عَلَى عَمَلٍ لَا يُصْلِحُهُ اللَّهُ ?﷿؛ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا يَجِبُ مَرَّةً. وَمَنْ أَلْزَمَهُ التَّمَادِيَ عَلَى ذَلِكَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ، ثُمَّ أَلْزَمَهُ حَجًّا آخَرَ، فَقَدْ أَلْزَمَهُ حَجَّتَيْنِ، وَهَذَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ . وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَادَى عَلَيْهَا، فَلِمَ أَلْزَمُوهُ التَّمَادِيَ عَلَى الْحَجِّ؟! «المُحَلَّى» (٥/ ٢٠٢).
(٣) «الإنصاف» (٣/ ٤٩٥).
(٤) قال ابن رُشْد: وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِيهِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إِذَا كَانَ حَجًّا وَاجِبًا. «بداية المجتهد» (٢/ ١٣٣). ونَقَل الإجماع: ابن مفلح في «المبدع» (٣/ ١٩١)، وابن نُجَيْم في «البحر الرائق» (٣/ ٦١).
(٥) منهم ابن قُدامة في «المغني» (٣/ ٤٥٥)، والجَصَّاص في «أحكام القرآن» (١/ ٣٤٨).

<<  <   >  >>