للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: أن الجَمْع في عرفة ومزدلفة بسبب النسك، فيَجوز الجَمْع للحاج حتى لمَن كان دون مسافة قَصْر، كأهل مكة. وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، وهو وَجْه للشافعية، وقول للحنابلة (١).

واستدلوا بأن النبي جَمَع في يوم عرفة بين الظُّهر والعصر، فجَمَع معه مَنْ حَضَره مِنْ المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجَمْعِ، ولو حُرِّم الجَمْع لبَيَّنه لهم؛ إذ لا يَجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يُقِر النبي على الخطأ (٢).

القول الثالث: أن سبب ذلك الحاجةُ ورَفْع الحرج. وهو قول أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وابن تيمية (٣).

واستدلوا بأن سبب الجَمْع هو المصلحة والحاجة. وهو الأقرب.

فالجَمْع في عرفة لمصلحة طول زمن الوقوف والدعاء، ولأن الناس يتفرقون في الموقف، فإن اجتمعوا للصلاة شق عليهم، وإن صَلَّوْا متفرقين فاتت مصلحة كثرة الجَمْع.

أما في مزدلفة فهم أحوج إلى الجَمْع؛ لأن الناس يَدفعون من عرفة بعد الغروب، فلو حُبسوا لصلاة المغرب فيها لصَلَّوْها من غير خشوع. ولو أوقفوا لصلاتها في الطريق لكان ذلك أشق، فكانت الحاجة داعية إلى تأخير المغرب لتُجْمَع مع العشاء هناك. وفي هذا مصلحة في الجَمْع بين المحافظة على الخشوع في الصلاة، ومراعاة أحوال العباد (٤).

المطلب الثالث: قَصْر أهل مكة الصلاة في عرفة ومزدلفة:

اتَّفَق العلماء على أن مَنْ كان سفره طويلًا، فإن له القَصْر في عرفة ومزدلفة.

واختلفوا على قولين في جواز قصر مَنْ كان سفره قصيرًا من أهل مكة:

القول الأول: يَقصر أهل مكة صلاتي الظُّهر والعصر بعرفة، والمغرب والعشاء في


(١) «المبسوط» (٤/ ١٥)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ٤٤)، و «المجموع» (٨/ ٨٧)، و «الفتاوى» (٢٤/ ٤٥).
(٢) «المغني» (٥/ ٢٦٥).
(٣) «العناية شرح الهداية» (٢/ ٤٧٠).
(٤) «فتاوى العثيمين» (١٢/ ٢٥٦). وقال ابن تيمية: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بِعَرَفَةَ لِمُجَرَّدِ السَّفَرِ كَمَا قَصَرَ لِلسَّفَرِ؛ بَلْ لِاشْتِغَالِهِ بِاتِّصَالِ الْوُقُوفِ، وَلِاشْتِغَالِهِ بِالْمَسِيرِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ، وَكَانَ جَمْعُ عَرَفَةَ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ، وَجَمْعُ مُزْدَلِفَةَ لِأَجْلِ السَّيْرِ الَّذِي جَدَّ فِيهِ، وَهُوَ سَيْرُهُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ. «الفتاوى» (٢٤/ ٤٦).

<<  <   >  >>