للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي: وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ ذَبْحِ الْمُهْدِي هَدْيَهُ بِنَفْسِهِ، وَجَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، إِذَا كَانَ النَّائِبُ مُسْلِمًا (١).

المطلب الثاني: شراء كروت وبطاقات الهَدْي:

هي في حقيقتها شراء للهَدْي مع التوكيل بذبحه وتوزيعه. ويَلجأ الحاج لشراء كروت وبطاقات الهَدْي؛ لصعوبة شراء الهَدْي وذبحه وتوزيعه.

وهنا إشكال، وهو جهالة المبيع، فالمعقود عليه فيه جهالة واضحة، فالهَدْي لم يوصف بسوى أنه هَدْي مجزئ شرعًا. وهذا وَصْف لا يكفي في انتفاء الجهالة؛ إذ الشياه تتفاوت في أوصافها المؤثرة في الثمن تفاوتًا كبيرًا.

وقد قال ابن قُدامة: وَإِنْ بَاعَهُ شَاةً مِنَ الْقَطِيعِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ شِيَاهَ الْقَطِيعِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةِ الْقِيَمِ، فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى التَّنَازُعِ (٢).


=ووُهَيْب بن خالد عند البيهقي (٥/ ٢٣٨) جمعيهم عن جعفر به، فنَحَر ثلاثًا وستين بيده.
وخالفهم ابن عُيينة، وفيه: «فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ سِتًّا وَسِتِّينَ بَدَنَةً» أخرجه الحُميدي (١٣٠٦).
وهو شاذ بهذا اللفظ؛ لمخالفة ابن عُيينة في هذا العدد من الثقات الأثبات (كالقطان ويزيد وحاتم ووُهَيْب) فالمحفوظ أن رسول الله نَحَر بيده الشريفة ثلاثًا وستين بدنة.
وهنا إشكال ثانٍ في عدد البدن التي نَحَرها النبي ، فقد ورد أن رسول الله نَحَر بيده ثلاثين بدنة.
فَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا نَحَرَ رَسُولُ اللهِ بُدْنَهُ، فَنَحَرَ ثَلَاثِينَ بِيَدِهِ، وَأَمَرَنِي فَنَحَرْتُ سَائِرَهَا.
منكر بهذا اللفظ، أخرجه أحمد (١٣٧٤)، وفي إسناده ابن إسحاق، لا يُحتجّ به إذا انفرد، فكيف إذا خالف الثقات؟! وقد خالف هنا، حيث ذَكَر أن عدد ما نَحَر رسول الله ثلاثون، والمحفوظ ما رواه مسلم عن جابر، وفيه: فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ. وكذا رَجَّح ابن حجر في «فتح الباري» (٣/ ٥٥٥)، والبيهقي في «السُّنن الكبرى» (١٠/ ٤٨٠)، وابن القيم في «زاد المعاد» (٢/ ٢٤١).
الإشكال الثالث: في حديث البراء بن عازب الطويل: « … فَقَالَ النَّبِيُّ لِعَلِيٍّ: «انْحَرْ مِنَ البُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ- أَوْ: سِتًّا وَسِتِّينَ-» .... » أخرجه أبو داود (١٧٩١). وهو ضعيف، وعِلته تَفرُّد يونس بن إسحاق عن أبيه. قال أبو بكر الأثرم: سَمعتُ أبا عبد الله، وذَكَر يونسَ بن أَبي إسحاق، فضَعَّف حديثه عن أبيه. «تهذيب الكمال» (٣٢/ ٤٩١)، وكذا أبو زُرْعَة في «شرح علل الترمذي» (٢/ ٧١٠).
(١) «شرح مسلم» (٨/ ١٩٢).
وقد اختَلف العلماء في صحة تولية الكتابي في نحر الهدي. والراجح أنه لا يصح تولية الكتابي في نحر الهَدْي؛ لأن نحر الهَدْي عبادة لا تصح من غير المسلم، والكتابي لا يَجوز دخوله إلى الحرم، فكيف يَجوز توليته في نحر الهَدْي؟!
(٢) «المغني» (٦/ ٢٠٩).

<<  <   >  >>