للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الرابع: شروط الوكالة في الرمي:

الشرط الأول: أن يكون المُوكِّل عاجزًا عن الرمي:

لا خلاف بين العلماء في جواز الوكالة في الرمي لمن عجز عنه (١).

فالحاصل: أن مَنْ عَجَز عن الرمي أو لا يقوى على مباشرة الرمي بنفسه؛ كالصبي والمريض وكبير السن، يَجوز لهم توكيل غيرهم في الرمي عنهم، والله أعلم.

وذهب عامة أهل العلم إلى أن القادر على الرمي لا يَجوز له أن يُوكِّل غيره؛ إذ لو كان ذلك جائزًا لأَذِن النبي للرعاة في توكيل غيرهم في الرمي؛ لِما في ذلك من المشقة في المجيء إلى مِنًى للرمي، وإنما أَمَرهم النبي بجمع رمي يومين في يوم واحد، فكانت الوكالة خاصة بأهل الأعذار، كالمرضى والصبيان ومَن في حكمهم (٢).

واستدلوا لذلك بما رُوي عن جابر قال: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ، وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ، وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ (٣).


(١) قال ابن عبد البر: لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ لِعُذْرٍ، رُمِيَ عَنْهُ «الاستذكار» (٤/ ٣٥٢). وقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن على الصبي الذي لا يطيق الرمي أنه يُرمَى عنه. «الإجماع» (ص: ٥٩). وقد نَقَل الإجماع على ذلك: النووي في «المجموع» (٨/ ٢٨٣)، والقرطبي في «تفسيره» (٣/ ١٢).
وقد حَكَى الشوكاني قولًا بإسقاط واجب الرمي عن العاجز دون إنابة، فقال: وتصح النيابة للعذر؛ فهو
وإن لم يَرِد ما يدل على ذلك، ولكن الأعذار مُسوِّغة للاستنابة، إلا أن يقال: إن العذر مُسقِط للوجوب من الأصل؛ لأنه لا وجوب على معذور، إلا أن يكون مِثل رِعاء الإبل. «السيل الجَرَّار» (ص: ٣٣١).
(٢) «المبسوط» (٤/ ٦٩)، و «الحاوي» (٤/ ١٩٧)، و «المغني» (٥/ ٣٧٩).
(٣) ضعيف: أخرجه ابن ماجه (٣٠٣٨)، وأحمد (١٤٣٧٠). وفي إسناده أشعث بن سَوَّار، وهو ضعيف، ولكن تابعه أيمن بن نابل عند البيهقي (٩٩٩٦) وإن كان وثقه ابن مَعين، وقال النَّسَائي: لا بأس به. فقد قال يعقوب بن شيبة: مكي صدوق، وإلى الضعف ما هو. وقال أبو حاتم: شيخ. وقال الدارقطني: ليس بالقوي، خالف الناس. وقال ابن حجر: صدوق يهم. قلت: هو إلى الضعف أقرب.
ومدار الحديث على ابن نُمَيْر، فرواه عن أشعث مرة، وعن أيمن مرة، كلاهما عن أبي الزبير عن جابر.
فالحاصل: أن ذِكر أيمن غير محفوظ، ولا سيما وقد قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نَعرفه إلا من هذا الوجه. فالمحفوظ أن مدار هذا الحديث على أشعث.
وعند الترمذي لفظة منكرة، وهي: «فَكُنَّا نُلَبِّي عَنِ النِّسَاءِ» تَفرَّد بها محمد بن إسماعيل الواسطي. وقال الذهبي: غلط غلطة ضخمة. «تهذيب التهذيب» (٩/ ٤٩). وقد قال الترمذي: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ المَرْأَةَ لَا يُلَبِّي عَنْهَا غَيْرُهَا، بَلْ هِيَ تُلَبِّي عَنْ نَفْسِهَا.

<<  <   >  >>