للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا صريح في وجوب طواف الوداع على المعتمر.

ونوقش بأن لفظة «أَوِ اعْتَمَرَ» منكرة.

واستدلوا بعموم قول النبي : «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ».

فكلمة (أَحَدٌ) نكرة في سياق النفي، فتعم كل مَنْ خرج، سواء كان من حج أو عمرة.

ونوقش بأن هذا مِنْ قَبيل العامّ الذي أريدَ به الخصوص؛ إذ المراد بهذا الخطاب الحجيج، بدلالة الحال؛ لأن النبي خاطب الصحابة، وكلهم حُجاج في حجة الوداع.

والراجح: عدم وجوب طواف الوداع على المُعتمِر، وإنما هو خاص بالحجيج؛ لعموم قول النبي : «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ».

فإن دلالة سياق الحديث تُبيِّن أن الأمر مقصور على الحجيج؛ إذ المراد بهذا الخطاب الحجيج، بدلالة الحال؛ لأن النبي خاطب الصحابة في حجة الوداع، وأنه لم يُنقَل عن النبي أنه طاف للعمرة طواف الوداع؛ إذ مثله مما تتوافر الهمم على نقله.

المبحث السادس: فيمن طاف للوداع أول أيام التشريق، ثم عاد إلى مِنًى فبات ورمى الجمار، وسافر لبلده من فوره، ولم يَرجع للحرم، فهل يجزئه ذلك؟

اختَلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه لا يجزئه طواف الوداع إلا بعد الفراغ من جميع أعمال المناسك ومغادرة مكة. وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة (١).

القول الآخَر: أنه يُجْزئه طواف للوداع إذا رجع إلى بلده مِنْ مِنًى؛ لأنه طاف للوداع عند مفارقة البيت، ثم مكث بمِنًى خارج مكة ورجع منها إلى بلده. وهو مذهب الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة (٢).

ونوقش بأنه وَدَّع البيت قبل أن ينتهي من نسكه، ولم يَجعل آخِر عهده بالبيت الطواف.


(١) «مواهب الجليل» (٣/ ١٣٨)، و «المغني» (٥/ ٣٣٧).
قال النووي: وَلَوْ أرادَ الحَاجُّ الرُّجُوعَ إِلَى بَلَدِهِ مِنْ مِنًى، لَزِمَهُ دُخُولُ مَكَّةَ لِطَوَافِ الوَدَاعِ، يَنْبَغِيٍ أنْ يقَعَ طَوَافُ الْوَدَاعِ بَعْدَ الْفَرَاغ مِنْ جَمِيعِ أشْغَالِهِ. «الإيضاح» (ص: ٤٠٥).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٤٣)، و «المجموع» (٨/ ١٨٧)، و «شرح المُنتهَى» (١/ ٥٧٥).

<<  <   >  >>