للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بإرسال مَنْ ينوب عنه؛ نظرًا إلى أنه مستطيع بغيره، فيَدخل في قوله تعالى: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾. ولذا يقال: (الخليفة مستطيع لِفتح بلد كذا) وإن كان مريضًا؛ لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له. ويقال في العُرْف: (فلان مستطيع لبناء دار) وإن كان لا يفعله بنفسه، وإنما يفعله بماله أو بأعوانه. ولأن النبي أَقَرَّ المرأة على وصف الحج على أبيها بأنه فريضة، مع عجزه عنه ببدنه، فدل ذلك على أن مَنْ كان قادرًا بماله دون بدنه، فإنه يجب عليه أن يقيم مَنْ يحج عنه.

[المبحث الثالث: شروط الاستطاعة، وفيه مطلبان]

[المطلب الأول: شروط الاستطاعة العامة للرجال والنساء.]

الشرط الأول: الاستطاعة البدنية، وتشمل صحة البدن والقدرة على السير والركوب.

الشرط الثاني: الاستطاعة المالية، وتشمل الزاد والراحلة، والنفقة فاضلًا عن دَينه ونفقته وحاجاته الأصلية.

وفيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: اشتراط الزاد والراحلة (التأشيرة والتذكرة والنفقة):

قال ابن تيمية: إِذَا اسْتَطَاعَ الْحَجَّ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِالْإِجْمَاعِ (١).

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» (٢).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ! فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: ١٩٧].

وَجْه الدلالة: و (تزودوا) يا مَعْشَر الحجيج من الطعام والشراب والزاد، ما تَبلغون به حجكم، وتَرجعون به إلى دياركم، (واتقوا) أي: اجتَنِبوا أذى الناس بسؤالكم إياهم (٣).


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ٢١). وقد نَقَل الإجماع الجَصَّاص في «أحكام القرآن» (٢/ ٣٥).
وقال ابن الهُمَام: الْقُدْرَةَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطُ الْوُجُوبِ، لَا نَعْلَمُ خِلَافَهُ. «فتح القدير» (٢/ ٤١٩).
(٢) ضعيف جدًّا: أخرجه ابن ماجه (٢٨٩٦)، وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخُوزِيّ، وهو متروك.
(٣) «التسهيل لتأويل التنزيل» (٣/ ٢٢٦) للشيخ مصطفى بن العدوي، حَفِظه الله.

<<  <   >  >>