للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن رُشْد: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ بَاتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَجَمَعَ فِيهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَعَ الْإِمَامِ، وَوَقَفَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى الْإِسْفَارِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ - أَنَّ حَجَّهُ تَامٌّ، وَأَنَّ ذَلِكَ الصِّفَةُ الَّتِي فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (١).

المبحث الثالث: حُكْم الوقوف بالمزدلفة:

اختَلف أهل العلم في حُكم الوقوف بمزدلفة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الوقوف بالمزدلفة واجب من واجبات الحج، مَنْ تَرَكه بدون عذر فعليه دم. وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية في المشهور عنهم، والحنابلة (٢).

ففي حديث جابر: «وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ» وحُمِل هذا الفعل على الوجوب، وقرينة ذلك أنه رَخَّص وأَذِن للضَّعَفة بالدفع من مزدلفة قبل الفجر، والرخصة لا تأتي إلا بعد الوجوب.

القول الثاني: أن الوقوف بمزدلفة ركن، يَبطل الحج بتركه، كالوقوف بعرفة، لا يَتم الحج إلا به. ورُوي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير. وهو قول الليث وعلقمة والشَّعْبي والحسن والأوزاعي، وابن المَاجِشون من المالكية، وقول للشافعية وابن حزم (٣).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما دليلهم من الكتاب، فعموم قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨].

وَجْه الدلالة: قد دلت الآية على أن الوقوف بمزدلفة ركن من وجهين:

الوجه الأول: الأمر بالذِّكر عند المَشْعَر الحرام يدل على أنه ركن.


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ١١٤).
(٢) «الدر المختار» (٢/ ٥١١)، و «المُدوَّنة» (٢/ ٤١٧)، و «الحاوي» (٤/ ١٧٧)، و «المغني» (٣/ ٤٥٠).
والوقوف بمزدلفة: الحضور بها ولو لحظة، كالوقوف بعرفة. والمبيت: المكث بها معظم ليلة النحر.
(٣) «الحاوي» (٤/ ١٧٧)، و «زاد المعاد» (٢/ ٢٥٣)، و «حاشية الدسوقي» (١/ ٤٥)، و «المُحَلَّى» (٧/ ١٣٠).

<<  <   >  >>