للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

ولنا مع هذه الخطبة وقفات:

الوقفة الأولى: تعظيم حرمة الأموال والدماء.

الوقفة الثانية: إبطال أفعال الجاهلية المُخالِفة للشرع. بقوله : «أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ».

الوقفة الثالثة: تحريم الربا.

الوقفة الرابعة: الإحسان إلى النساء، فأوصى بذلك بقوله: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ».

الوقفة الخامسة- وهي تضم جميع الدين-: وهي قول رسول الله : «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ» والعمل بكتاب الله يقتضي معه العمل بسُنة رسول الله؛ لأن الله يقول: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٢].

المبحث الثالث: يُسَن الأذان بعد الفراغ من الخطبة: وفيه مطلبان:

[المطلب الأول: هل الأذان قبل الخطبة أو بعدها؟]

السُّنة أن يكون الأذان بعد الخطبة. وهو مذهب الحنابلة، وقول للمالكية (١).

واستدلوا بحديث جابر : «فَخَطَبَ النَّاسَ … ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ» فهذا صريح في أن الأذان كان بعد فراغ النبي من الخطبة (٢).


(١) «المُدوَّنة» (١/ ١٧٢)، و «المغني» (٣/ ٢٠٦)، ورُوي عن أبي يوسف «العناية» (٢/ ٤٦٩).
(٢) وقد اختَلف العلماء في وقت الأذان من الخطبة على أقوال، والذي ذكرناه هو القول الراجح.
والقول الثاني: ما ذهب إليه الحنفية من أن الأذان يكون قبل أن يَخطب الإمام. كما في «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٤٦٧).
واستدلوا ب «أَنَّهُ لَمَّا صَعِدَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ فَخَطَبَ» وهذا صريح في أن الأذان قبل الخطبة. وهذا منكر، والصحيح من حديث جابر أن الأذان كان بعد الخطبة.
القول الثالث: ذهب بعض الحنفية وبعض المالكية والشافعية إلى أن الأذان يكون في بداية الخطبة الثانية؛ حتى يكون فراغه من الأذان بفراغه من خطبته. انظر «فتح القدير» (٢/ ٤٦٦)، و «التمهيد» (١٠/ ٢)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٩٣).
واستدلوا بما روى جابر عن النبي : «فَرَاحَ النَّبِيُّ إِلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ، فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، فَفَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ وَبِلَالٌ مِنَ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ» رواه الشافعي (٩١١).
ونوقش هذا الاستدلال: تَفَرَّدَ بهذا التفصيل إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وهو متروك، وكيف يؤذن أثناء الخطبة؟! فإن ذلك يَمنع من سماعها أو أكثرها فيفوت مقصودها.
القول الرابع: وهو قول مالك-: يَخْطُبُ الْإِمَامُ طَوِيلًا، ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ وَهُوَ يَخْطُبُ، ثُمَّ يُصَلِّي … وَهَذَا مَعْنَاهُ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ صَدْرًا مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ، فَيَكُونُ فَرَاغُهُ مَعَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنَ الْخُطْبَةِ. «التمهيد» (١٠/ ١٢).
وهذا القول واضح البطلان، فتَرجَّح بذلك القول الأول، أنه يؤذن بعد فراغ الإمام من خطبته، كما صح عن رسول الله .

<<  <   >  >>