للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيه مشقة، كوصال الصوم، ويُكْرَه أن يُضَيِّق المرءُ على نفسه ما قد وَسَّع الله عليه.

فالحاصل: أن التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية لا يخلو من حالين:

الأول: إن لم يَعْرِف حَذْو الميقات المُقارِب لطريقه احتاط، فأَحْرَم مِنْ بُعْد، بحيث يَتيقن أنه لم يُجاوِز الميقات إلا مُحْرِمًا؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز، وتأخيره عنه لا يَجوز، فالاحتياط فِعْلُ ما لا شك فيه. فإن كان في الطائرة ويَعسر عليه محاذاة الميقات، فيَجوز له التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية.

الثاني: إن كان لا يَعسر عليه محاذاة الميقات، ويستطيع أن يَنزل فيُحْرِم من مسجد الميقات، أو يُحْرِم في محاذاة الميقات؛ كُرِه له التقدم بالإحرام قبل الميقات.

المطلب الثاني: مَنْ سَلَك طريقًا ليس فيه ميقات مُعيَّن، برًّا كان أو بحرًا أو جوًّا، فاشتبه عليه ما يحاذي المواقيت، ولم يجد مَنْ يرشده إلى المحاذاة؛ وجب عليه أن يحتاط ويُحْرِم قبل ذلك بوقت يَغلب على ظنه أنه أَحْرَم فيه قبل المحاذاة. وليس له أن يؤخر الإحرام؛ فالإحرام قبل الميقات جائز ومنعقد، ولا سيما إذا خاف مِنْ تجاوز الميقات. وبهذا صَدَر قرار مَجْمَع الفقه الإسلامي (١).

[المبحث الرابع: مجاوزة الميقات، وفيه أربعة مطالب]

المطلب الأول: مَنْ تَجاوَز الميقات بغير إحرام، ولم يرجع للإحرام من الميقات:

اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على أن مَنْ كان مريدًا لنسك الحج أو العمرة، وتَجاوَز الميقات بغير إحرام، فإنه يجب العَوْد إليه والإحرام منه، فإن لم يرجع أَثِم ووجب عليه الدم، وحجه صحيح (٢).

واستدلوا لوجوب الإحرام من الميقات، والإثم بتعمد تركه بما رواه ابن عباس قال: «إِنَّ النَّبِيَّ وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ … هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ».

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟


(١) «مجلة مَجْمَع الفقه الإسلامي» (العدد الثالث) و «مجموع فتاوى ابن باز» (١٧/ ٢٤).
(٢) «الحاوي» (٤/ ٧٣)، و «شرح مسلم» (٨/ ٨٢).

<<  <   >  >>