للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثامن: هل يجب الحج على الفور أم على التراخي؟]

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن الحج واجب على الفور عند تحقق شروطه، ويأثم المرء بتأخيره. وهو أصح الروايتين عن أبي حنيفة، ومنقول عن مالك، وهو قول أحمد (١).

واستدلوا بالقرآن والسُّنة:

أما القرآن، فقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧].

وَجْه الدلالة: أن مَنْ استطاع الحج، فقد وَجَبَ عليه أن يبادر به على الفور إذا كان فرضه؛ إذ لا يَدري ماذا يَعْرِض له، فربما يموت أو يفتقر أو يَمرض.

وأما السُّنة، فما رَوَى مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا» فهذا أَمْر، والأمر يكون على الفور؛ ولهذا غَضِب النبي في غزوة الحُديبية، حين أَمَرهم بالإحلال وتباطئوا.

وقد ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» (٢).

وَجْه الدلالة: أن النبي أَمَر بتعجيل الحج، وهذا يقتضي أن الحج على الفور، وأن


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١١٩)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ٣)، و «الإنصاف» (٣/ ٢٨٧).
(٢) ضعيف: ومداره على أبي إسرائيل، عن فُضَيْل بن عمرو، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، فرواه الثوري، به، عند أحمد (٢٨٦٧).
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي إِسْرَائِيلَ، بِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ، أَوْ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» أخرجه أحمد (١٨٣٤) وأبو إسرائيل المُلائِيّ سيئ الحفظ.
وقد وردت متابعة عند الطبراني (٧٣٨) من طريق عبد الكريم- وهو ابن مالك الجَزَري، عن سعيد، به.
رجال هذا السند ثقات غير فُرَات بن سلمان، فله ترجمة في «الميزان» (٣/ ٣٤٢)، ووثقه أحمد. وقال ابن عَدي: أرجو أنه لا بأس به.
وهذا السند وإن كان ظاهره الصحة، إلا أنه مُعَل؛ لأن هذا حديث أَبي إسرائيل؛ ولذا أَعْرَضَ عن ذكر سند الطبراني أصحاب السُّنن والمسانيد، وقد استَنكر الإمام أحمد هذا الحديث على أبي إسرائيل المُلائِيّ، فقد سأله عبد الله عنه في «العلل» (٢٥٣٩) فقال: خَالَفَ النَّاسَ فِي أَحَادِيثَ. وذَكَر هذا الحديث منها: «مَنْ أراد الحج، فليتعجل … ».

<<  <   >  >>