للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرط الرابع: الطهارة من الحَدَث: وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: تُشترط الطهارة من الحَدَث لصحة الطواف:

اختَلف العلماء في اشتراط ذلك على ثلاثة أقوال:

الأول: أن الطهارة من الحَدَث شرط لصحة الطواف، فمَن طاف مُحْدِثًا لم يصح طوافه؛ لأن الطواف كالصلاة. وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة (١).

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأول: أن عائشة لما حاضت وهي مُحْرِمة، قال لها النبي : «فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». وفي رواية لمسلم: «حَتَّى تَغْتَسِلِي».

وَجْه الدلالة: أن النبي رَخَّص لعائشة أن تَفعل وهي حائض جميع ما يفعله الحاج، ولم يَمنعها إلا من الطواف، وجَعَل ذلك مُقيَّدًا باغتسالها وتَطهُّرها، ورَتَّب انتفاء الطواف على انتفاء الطهارة بقوله: «غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» فهذا دليل على أن الطهارة شَرْط لصحة الطواف (٢).

الدليل الثاني: أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ : «فَلْتَنْفِرْ» (٣).

فقول النبي : «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» أي أن النبي والصحابة يُحبَسون ويَمكثون بمكة حتى تطهر صفية وتطوف، فدل ذلك على اشتراط الطهارة من الحَدَث لصحة الطواف.

الدليل الثالث: ما روى البخاري: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً … » (٤).

ونوقش بأن وضوء النبي في هذا الحديث فِعل مطلق، وهو لا يدل على الوجوب،


(١) «المُدوَّنة» (١/ ٣٥١)، و «المجموع» (٨/ ١٧)، و «المغني» (٥/ ٢٢٢) و «الإنصاف» (٤/ ١٦).
(٢) قال النووي: وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ نَهَاهَا عَنِ الطَّوَافِ حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فِي الْعِبَادَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا نَهَاهَا لِأَنَّ الحَائِضَ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ.
قُلْنَا: هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ قَالَ: «حَتَّى تَغْتَسِلِي» وَلَمْ يَقُلْ: حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُكِ. «المجموع» (٨/ ١٨).
(٣) البخاري (٤٤٠١)، ومسلم (٣٨٢ - ١٢١١).
(٤) البخاري (١٦١٤)، ومسلم (١٢٣٥).

<<  <   >  >>