للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بالسُّنة والقياس.

فَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ : «مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَحْلِلْ» (١).

وَجْه الدلالة: أن الصحابة قَدِموا من المدينة في حجة الوداع، وهم لا ينوون إلا الحج، فلما فَرَغوا من طواف القدوم والسعي، أَمَرهم النبي بالحَلْق والتحلل وجَعْلها عمرة، ولم يأمرهم النبي بإعادة الطواف، مع أن طواف القدوم سُنة وطواف العمرة ركن، فلو كانت النية تُشترط لَمَا صح هذا الطواف.

وأما القياس، فكما أن الصلاة لا يُشترَط لها أكثر من نية واحدة عند تكبيرة الإحرام، ولا تُشترَط النية للأركان كالركوع والسجود، فكذا الحج، لا يُشترَط له أكثر من نية في بَدْء الإحرام: (لبيك حجًّا) ولا يُشترَط نية للطواف ونية لعرفة، بل تَكفي نية واحدة عند الإحرام. وكما أن مَنْ وقف بعرفة بغير نية أو ناسيًا، أجزأه، فكذا طواف الإفاضة.

القول الآخَر: أن تعيين النية في الطواف شرط؛ لعموم قول النبي : «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فلو طاف بعد دخول وقت طواف الإفاضة بنية الوداع، لم يجزئ عن طواف الإفاضة. وبه قال بعض المالكية، وهو وَجْه عند الشافعية والحنابلة (٢).

والراجح: لا يُشترَط تعيين النية، ولكن يُستحَب؛ وذلك لأن الحج لا يَقتصر على الطواف، وتكون النية في الحج عند الإحرام؛ للأدلة التي ذُكِرَتْ.

وبعض الحُجاج لا يُفَرِّقون بين طواف القدوم والإفاضة والوداع، فهم يطوفون مع الناس. وطوافهم صحيح، والله يقول: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ والله أعلم.


(١) رواه مسلم (١٢١٣).
(٢) «المجموع» (٨/ ١٤)، و «المغني» (٣/ ٤٤١)، و «الإنصاف» (٤/ ٩).

<<  <   >  >>