للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرط الأول: كَوْن السعي بعد طواف:

نُقِل الإجماع على أنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف (١).

وهذا الإجماع منخرم؛ فقد ذهب جماهير العلماء إلى أنه يُشترَط في صحة السعي أن يقع بعد الطواف؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَسْعَ قَطُّ إِلَّا عَقِيبَ طَوَافٍ، وَلَوْ جَازَ السَّعْيُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طَوَافٌ، لَفَعَلَهُ وَلَوْ مَرَّةً؛ لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ، قَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ».

القول الآخَر: لا يُشترَط لصحة السعي أن يسبقه طواف، فيَجوز تقديم السعي على الطواف. وهو قول عند الشافعية، وأحمد في رواية، والظاهرية (٢).

واستدلوا بثلاثة أدلة:

الدليل الأول: أن النبي سُئل عن التقديم والتأخير في أفعال يوم النحر، وهي خمسة: رَمْي ونَحْر وحَلْق وطواف وسَعْي، فأباح جواز تقديم هذه الأعمال بعضها على بعض، ودل على ذلك أن النبي ما سُئِل يوم النحر عن شيء قُدِّم وَلا أُخِّر، إلا قال: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» فيندرج فيه تقديم السعي على الطواف. ويُؤكِّد هذا المعنى لفظة «شيء» فهي نكرة في سياق النفي، فتعم كل شيء، ومنها تقديم السعي على الطواف.

ونوقش بأن الأشياء التي سُئل عنها النبي ، فأجاز فيها التقديم والتأخير- هي (الرمي، والنحر، والحلق) ولا يصح منها جواز السعي قبل الطواف.

الدليل الثاني: عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ حَاجًّا، فَكَانَ النَّاسُ


(١) قال الماوردي: وَهُوَ إِجْمَاعٌ لَيْسَ يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. «الحاوي» (٤/ ١٥٧).
وقال السرخسي: وإنما سعى رسول الله بعد الطواف، وهكذا تَوارَثه الناس من لدن رسول الله إلى يومنا هذا. «المبسوط» (٤/ ٤٦). وقال ابن عبد البر: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، قَبْلَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارِ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَعَلَ فِي عُمْرَاتِهِ كُلِّهَا وَفِي حَجَّتِهِ، قَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ». «الاستذكار» (٤/ ٢٣٢). وقال النووي: وشذ إمام الحرمين، فنَقَل عن بعض أئمتنا: لو قَدَّم السعي على الطواف اعتُد بالسعي. وهذا النقل غلط ظاهر مردود بالأحاديث الصحيحة وبالإجماع. «المجموع» (٨/ ٧٢). وقال محب الدين الطبري: (سعيتُ قيل أن أطوف) هذا لا أعلم أحدًا قال بظاهره، واعتَد بالسعي قبل الطواف، إلا ما رُوي عن عطاء، وهو كالشاذ لا اعتبار له. وكذا قال الخَطَّابي في «مَعالم السُّنن» (٢/ ٢١٨).
(٢) «المجموع» (٨/ ٧٢)، و «الإنصاف» (٩/ ١٣٢)، و «المُحَلَّى» (٧/ ١٨٣).

<<  <   >  >>