للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل السادس: حُكْم توسيع المسعى

توسيع المسعى لا يخلو من حالين:

الأول: توسعة المسعى بشكل أفقي، بأن يُبنى على سقف المسعى مسعى آخَر، وحُكْم السعي فيه. سبق بيانه وجوازه.

الثاني: توسعة المسعى بشكل عَرْضي، بأن يكون عرضه أوسع من عشرين مترًا، بتوسعته من الجهة الشرقية (١).

اختَلف العلماء في ذلك على قولين:

الأول: جواز توسعة المسعى من جهته الشرقية، باعتبارها جزءًا من المسعى (٢).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨].

وَجْه الدلالة: قد بَيَّنَتِ الآية لزوم استيعاب ما بين الصفا والمروة بيانًا واضحًا؛ ولذا شَدَّد الفقهاء، حتى قال الحَطَّاب: (مَنْ تَرَكَ مِنَ السَّعْيِ شَيْئًا، وَلَوْ ذِرَاعًا، يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ) بينما لم يَرِد دليل يوجب الالتزام أثناء السعي بحد عرض الجبلين، ولو كان ذلك مشروطًا شرعًا، لبَيَّنه الرسول لأصحابه بيانًا شافيًا واضحًا.

القول الثاني: لا يَجوز توسعة المسعى من جهته الشرقية، ولا يجوز السعي فيها باعتبارها ليست جزءًا من المسعى (٣).

واستدلوا: بأن النبي بَيَّن مُجْمَل الآية بفعله، فقد سعى في هذا المكان، وقد قال : «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ» ولأن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية التي أوجبها الله علينا في ذلك المحل المخصوص، ولا يجوز لنا العدول عنه (٤).


(١) بداية المسعى قصة أُم إسماعيل وزمزم، ثم المسعى النبوي، وهو ما كان في وقته، ثم توسعة المَلِك سعود عام (١٣٧٥ هـ) حيث وَسَّع عَرْض المسعى إلى عشرين مترًا. ثم توسعة المَلِك عبد الله المسعى الحالي، عام (١٤٣٠ هـ) وهذا المراد بحثه.
(٢) وهو قول المُعَلِّمي وابن جبرين وغيرهما، كما في «حلول الزحام في المناسك» (ص: ٣٣٦).
(٣) وهو قول محمد بن إبراهيم، وبه صَدَر قرار هيئة كبار العلماء. «حلول الزحام» (ص: ٣٣٦).
(٤) قال القاري: من شروط السعي كونه بين الصفا والمروة، أي: بألا ينحرف عنهما إلى أطرافهما. «المسلك المتقسط» (ص: ٢٤٦).
وقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ السَّعْيُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ السَّعْيِ، فَلَوْ مَرَّ وَرَاءَ مَوْضِعِ السَّعْيِ، فِي زُقَاقِ الْعَطَّارِينَ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مُخْتَصٌّ بِمَكَانٍ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ. «المجموع» (٨/ ٧٦).
وقال الحَطَّاب: لِلسَّعْيِ شُرُوطٌ، مِنْهَا كَوْنُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، فَلَوْ سَعَى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ، بِأَنْ دَارَ مِنْ سُوقِ اللَّيْلِ، أَوْ نَزَلَ مِنَ الصَّفَا وَدَخَلَ مِنَ الْمَسْجِدِ، لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ. «مواهب الجليل» (٣/ ٨٤).
وقال ابن تيمية: لَوْ سَعَى فِي مُسَامَتَةِ الْمَسْعَى، وَتَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لَمْ يُجْزِهِ. «شرح العمدة» (٢/ ٥٩٩).

<<  <   >  >>