للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورَوى البخاري معلقًا عن شيخه بصيغة الجزم: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ، فَقَالَ: أَهَلَّ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً، إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ».

فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: «مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ» ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المَنَاسِكِ، جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الهَدْيُ (١). فحديث ابن عباس صريح في أن على المتمتع سعيين.

القول الآخَر: أن المتمتع يكفيه سعي واحد للحج والعمرة. وهو قول عطاء ومجاهد وطاوس وإسحاق، ورواية عن أحمد (٢).

واستدلوا بما ورد عن جابر ، وفيه: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، وَكَفَانَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ». فهذا نص في أن المتمتع ليس عليه إلا سعي واحد.

ونوقش بما قاله النووي: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَارِنًا (٣).

والراجح: أن على المتمتع سعيين: سعيًا لعمرته، وسعيًا لحجته بعد طواف الإفاضة؛ لحديث عائشة وابن عباس الدالين على أن على المتمتع سعيين؛ لأنهما مُثبِتان، وحديث جابر نافٍ، والمُثبِت مُقدَّم على النافي. ولأنهما مُوافِقان للقياس؛ لأن المتمتع قد فَصَل بين عمرته وحجته بتحلل تام، فاحتيج إلى سعي آخَر للحج.

وأما حديث جابر المُصرِّح بأنه ليس على المتمتع إلا سعي واحد، فيُحمل على مَنْ كان منهم قارنًا.


(١) البخاري (١٥٧٢).
(٢) «شرح العمدة» (٢/ ٥٦٤)، و «مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله» (٧٤٨) قال: قلتُ لأبي: المُتمتِّع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طَاف طوافين فهو أجود، وإن طَاف طوافًا واحدًا فلا بأْس.
(٣) «المجموع» (٨/ ٦١). وقال البيهقي: أَرَادَ بِهِ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ، الَّذِينَ كَانُوا قَارِنِينَ خَاصَّةً … فَاكْتَفَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ الْقَارِنُونَ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ.

<<  <   >  >>