للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانُوا مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ (١).

الشرط الثاني: أن ييأس من زوال المانع.

قال مالك: وَمَنْ حُصِرَ فَيَئِسَ مَنْ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ بِفِتْنَةٍ نَزَلَتْ أَوْ لِعَدُوٍّ غَلَبَ عَلَى الْبِلَادِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّهَابِ إِلَى مَكَّةَ، وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ مَحْصُورٌ. وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا يَرْجُو أَنْ يَنْكَشِفَ قَرِيبًا، رَأَيْتُ أَنْ يَتَلَوَّمَ، فَإِنِ انْكَشَفَ ذَلِكَ، وَإِلَّا صَنَعَ مَا يَصْنَعُ الْمَحْصُورُ، وَرَجَعَ إلَى بِلَادِهِ (٢).

الشرط الثالث: أن يكون الإحصار بعد الإحرام، وقبل الوصول إلى البيت؛ لأنه إذا عَرَض ما يَمنع من أداء النسك ولم يكن أَحْرَم، فلا يَلزمه شيء.

المبحث الثالث: وقت إحلال المُحْصَر:

اختَلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: أن المُحْصَر يَحِل مطلقًا حين يُحْصَر، بعد أن ذبح هديه ويَحلق. وهو مذهب أبي حنيفة والمالكية والشافعية والحنابلة (٣).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما الكتاب، فاستدلوا بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

فالمُحْصَر يحل مطلقًا حين يُحْصَر، بعد ذبح ما استيسر من الهَدْي وحَلْق رأسه.

وأما السُّنة، فَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ حُصِرُوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحْلِقُوا وَيَحِلُّوا (٤).


(١) «المجموع» (٨/ ٢٩٤).
(٢) «المُدوَّنة» (١/ ٤٣٩). وقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَحَبَسَهُ سُلْطَانٌ: فَإِنْ كَانَ لِحَبْسِهِ غَايَةٌ يَرَى أَنَّهُ يَدْرِك مَعَهَا الْحَجَّ، وَكَانَتْ طَرِيقُهُ آمِنَةً بِمَكَّةَ، لَمْ يَحْلِلْ، فَإِنْ أُرْسِلَ مَضَى. وَإِنْ كَانَ حَبْسُهُ مَغِيبًا عَنْهُ، لَا تُدْرَى غَايَتُهُ، أَوْ كَانَتْ لَهُ غَايَةٌ لَا يُدْرِكُ مَعَهَا الْحَجَّ إِذَا أُرْسِلَ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إِلَى بَلَدِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَحِلَّ كَمَا يَحِلُّ الْمُحْصَرُ. «الأم» (٣/ ٤٠٧).
(٣) «المبسوط» (٤/ ١٠٩)، و «المُدوَّنة» (١/ ٢٩٧)، و «الأم» (٢/ ٢١٨)، و «الكافي» (٢/ ٤٦٦).
(٤) رواه البخاري (٢٧٣١) في حديث طويل، وفيه: فقال لأصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا».

<<  <   >  >>