للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الإجماع منخرم؛ فهناك قول للمالكية أن بطن عُرَنَة من عرفة (١).

وقد رُوي عن النبي أنه قال: «كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» (٢).

فالحاصل: أن الوقوف في وادي عُرَنة لا يجزئ؛ لأنه ليس من عرفة، وقد قال النبي : «قَدْ وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ».

المبحث الثالث: نَمِرة ليست من عرفة:

نَمِرة ليست من عرفات، ولكن يُستحب النزول بها ضحى، قبل النزول بعرفة (٣).

فعن جابر أنه قال في حديثه الطويل في صفة حجة النبي : «فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ».

وَجْه الدلالة: أن فيه استحباب النزول بنَمِرة بعد طلوع شمس اليوم التاسع، وصلاة


(١) وهناك قول للحنفية وقول للمالكية، أن الوقوف بعُرَنة يجزئ مع الكراهة، وعليه دم. «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٦)، و «التمهيد» (٢٤/ ٤٢٠)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٩٧).
(٢) ضعيف؛ فقد جاء هذا الحديث عن عدد من الصحابة، ومِن أشهرهم حديث ابن عباس،
رواه ابن عُيينة، عن زياد بن سعد، عن أبي الزُّبير، عن أبي مَعْبَد، عن ابن عباس.
واختُلف عنه، فرواه محمد بن كَثير عن ابن عُيينة به مرفوعًا. أخرجه ابن خُزيمة (٢٨١٦)، ولكن هذه الرواية شاذة؛ فقد خالف محمدَ بن كَثير أحمدُ وابن المديني عند البيهقي (١/ ٢١٩)، (٥/ ١١٥) فروياه دون ذكر هذه اللفظة: « … وارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ».
ورواه الطبراني في «الكبير» (١١٠٠٥) (١١٢٣١) (١١٤٠٨) ومن طرق كلها ضعيفة.
ورواه ابن جُريجٍ قال: أَخْبَرَنِي عطاء، عن ابن عباس موقوفًا، عند ابن خُزيمة (٢٨١٧) وهو الصواب.
وله شواهد: فعن جُبَيْر بن مُطْعِم، أخرجه أحمد (١٦٧٥١) وإسناده ضعيف؛ فسليمان بن موسى لم يُدرِك جُبَيْر بن مُطْعِم، وقد اضطرب فيه ألوانًا: فمرة أَدْخَل بين سليمان بن موسى وجُبَيْر- نافع بن جُبَيْر. ومرة أَدْخَل بينهما عبد الرحمن بن أبي حسين. ومرة محمد بن المنكدر. ومرة عمرو بن دينار. والحديث منقطع على أي حال، فلم يدرك أي منهم جُبيرًا، وأشار لذلك الحُفاظ، كالبزار في «مسنده» (٣٤٤٤)، وابن القيم في «الزاد» (٢/ ٢٩٠)، وابن حجر في «فتح الباري» (١٠/ ١٢) وغيرهم.
وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وغيرهما، ولا يصح في بَطْن عُرَنَة حديث.
(٣) «المجموع» (٨/ ١٠٧). وقال ابن تيمية: نَمِرَة كَانَتْ قَرْيَةً خَارِجَةً عَنْ عَرَفَاتٍ، مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ، فَيُقِيمُونَ بِهَا إِلَى الزَّوَالِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ، ثُمَّ يَسِيرُونَ مِنْهَا إِلَى بَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ مَوْضِعُ النَّبِيِّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ. «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ١٢٩).

<<  <   >  >>