للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: أن المضحي لم يُمْنَع من الأخذ من شعر رأسه فقط، بل مُنِع من الأخذ من شعر الشارب والإبط والعانة، فالمُحْرِم أَوْلَى بذلك منه.

وأما القياس، فقاسوا شعر الجسد على شعر الرأس؛ بجامع أن الكل يَحصل بحلقه الترفه والتنظف، وهو ينافي الإحرام؛ لكَوْن المُحْرِم أشعث أغبر (١).

القول الثاني: أنه لا فدية بإزالة شعر بقية البدن غير شعر الرأس. وبه قال الظاهرية (٢).

واستدلوا بأن النص جاء بتحريم حلق الرأس فقط، ولا يصح قياسُ غيره عليه.

ونوقش: فَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ؛ لأَنَّهُ الغَالِبُ، ولِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى شَعْرِ الْجَسَدِ؛ لِوُجُودِ مَعْنَى الرَّأْسِ فِيهِ وَزِيَادَةٍ (٣).

والراجح: أنه لا يَجوز للمُحْرِم أَخْذ شيء مِنْ شعر رأسه وجسده، كقص شاربه ونَتْف إبْطه؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾. وللقياس على شعر الرأس. وتجب الفدية بالأخذ من شعر الرأس أو الجسد.

[المبحث الثالث: مقدار الحلق الذي تجب به الفدية]

اتَّفَق العلماء على أنه إذا سقط شعر المُحْرِم بنفسه، فلا فدية فيه. أما إذا كان بفعله، فقد اختلفوا في مقدار الحلق الذي تجب به الفدية على أربعة أقوال:

القول الأول: تجب الفدية في حلق الشَّعر حلقًا يكاد أن يكون كاملًا. أما إذا أَخَذ شعرات فإنه يَحرم عليه، لكن الفدية لا تجب. وهو قول المالكية وابن حزم (٤).

واستدلوا لهذا القول بالكتاب والسُّنة:

أما الكتاب، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وَجْه الدلالة: أن مَنْ أَخَذ شعرات من رأسه لا يقال: إن هذا حالق الرأس.

وأما السُّنة، فَعَنْ كَعْبِ قَالَ: أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ، وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى


(١) «الذخيرة» (٣/ ٣٠٨)، و «المجموع» (٧/ ٢٤٧).
(٢) «المُحَلَّى» (٥/ ٢٧٨).
(٣) «الحاوي» (٤/ ١١٦).
(٤) «الذخيرة» (٣/ ٣٠٨، ٣٠٩)، و «المُحَلَّى» (٥/ ٢٢٨).

<<  <   >  >>