للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ هُوَ وَقْتَ الْفَرْضِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ لَا يَكُونُ وَقْتًا لِلْفَرْضِ (١).

وأما دليلهم من القياس، فَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ لَيْلًا هُوَ الْفَرْضُ دُونَ النَّهَارِ، وَإِنَّ إِدْرَاكَ أَوَّلِهِ كَإِدْرَاكِ آخِرِهِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا حَجَّ لِمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَوَجَبَ أَنْه لَا حَجَّ لِمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الغُرُوبِ (٢).

ونوقش بأن تسوية آخِر النهار بأوله قياس فاسد؛ لأن وقوف النبي وتضرعه واجتهاده وَقَع في آخِر النهار؛ فكيف يكون هذا الوقت في عدم الإجزاء مثل الوقت الذي لم يقف فيه النبي البتة؟! وكيف يكون الوقوف في نهار عرفة من بعد الزوال إلى قبل الغروب غير مجزئ وهو محل الفضل والأجر، وهو وقت الدعوات وتَنزُّل الرحمات، ويكون وقوفه في الليل بعد ذَهاب الوقت المختار مجزئًا؟!

والراجح: أن الوقوف بعرفة إلى الغروب واجب؛ لأن مكث النبي فيها إلى الغروب، مع كون الدفع بالنهار أرفق بالناس- يدل على وجوبه. وكذا تأخير الرسول الدفع إلى ما بعد الغروب، ثم مبادرته به قبل أن يصلي المغرب، مع دخول وقته- يدل على أنه لا بد من البقاء إلى هذا الوقت، وأنه ممنوع من الدفع قبل المغرب.

المطلب الرابع: حُكْم مَنْ دفع قبل غروب شمس التاسع، ثم عاد قبل فجر العاشر:

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: مَنْ دفع قبل غروب الشمس ثم عاد قبل الفجر، أجزأه الوقوف، ولا شيء عليه. وهو قول للحنفية، ومذهب المالكية، والشافعية، وقول الحنابلة (٣).

واستدلوا بأن الواجب عليه الوقوف إلى الغروب؛ ليَجمع بين الليل والنهار، والذي رجع قد استدرك ما فاته وأتى بما عليه، وتَحقَّق في حقه الوقوف بالليل والنهار.

القول الآخَر: لا يَسقط عنه الدم؛ لأنه يجب عليه الجَمْع بين آخِر النهار وأول الليل، وقد فاته بخروجه فيَجبره بدم. وهو قول للحنفية، ورواية للشافعية، وقول للحنابلة (٤).

والراجح: قول جمهور العلماء، أن مَنْ وقف بعرفات ثم دفع منها قبل الغروب، ثم


(١) «أحكام القرآن» (١/ ٣٨٩).
(٢) «التمهيد» (١٠/ ٢٢).
(٣) «المبسوط» (٤/ ٥٠، ٥١)، و «المدونة» (١/ ٤٢٢)، و «المجموع» (٨/ ١١٩)، و «الإنصاف» (٤/ ٢٤).
(٤) «المبسوط» (٢/ ٥٦)، و «مغني المحتاج» (١/ ٤٩٨)، و «المغني» (٣/ ٤٤١).

<<  <   >  >>