للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عاد إليها مرة ثانية، فقد استَدرك ما فاته ولا شيء عليه، والله أعلم.

المطلب الخامس: قَدْر الوقوف المجزئ:

أَجْمَع العلماء على أن مَنْ وقف بعرفة ليلًا ولو لحظة، فإنه يجزئه.

وذهب جماهير العلماء إلى أن مَنْ وقف بعرفة ولو لحظة من زوال شمس يوم التاسع، وانصرف قبل غروب الشمس، فإن ذلك يجزئه.

واستدلوا بعموم قول النبي : «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ».

فعلى هذا، فمَن مر بعرفة بسيارة أو طائرة أو غيرهما من المركوبات،، وهو يَقصد الحج بعد زوال الشمس يوم عرفة، إلى طلوع فجر يوم النحر؛ فقد أَدْرَك الحج.

المطلب السادس: الوقوف بعرفة ليلًا:

الوقوف بعرفة ليلًا لا يخلو من حالين:

الحال الأول: حُكْم مَنْ وقف بعرفة ليلًا فقط لعُذْر.

مَنْ لم يقف بعرفة إلا ليلة العاشر من ذي الحجة، فإنه يجزئه، بالإجماع.

وأما الإجماع، فقد قال النووي: (أَمَّا) مَنْ لَمْ يَحْضُرْ عَرَفَاتٍ إلَّا فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ إنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالْإِعْرَاضِ وَقَطْعِ الْوُقُوفِ (١).

الحال الثاني: حُكْم مَنْ وقف بعرفة ليلًا فقط لغير عذر.

قال ابن عبد البر: وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا يُجْزِئُ عَنِ الْوُقُوفِ بِالنَّهَارِ، إِلَّا أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَهُوَ مُسِيءٌ. وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ رَأَى عَلَيْهِ دَمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا (٢).


(١) «المجموع» (٨/ ١٠٢). ونَقَل الإجماع ابن المنذر في «الإجماع» (٥٧)، وابن قُدامة في «المغني» (٥/ ٢٧٤)، وقال القرطبي: وَأَمَّا مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِاللَّيْلِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْأُمَّةِ فِي تَمَامِ حَجِّهِ. (٢/ ٤١٦).
(٢) «التمهيد» (٩/ ٢٧٥).
وقد خالف المالكية جماهير العلماء في أن مَنْ وقف بعرفة ليلًا لغير عذر، أنه يجب عليه الدم. «حاشية الدسوقي» (٢/ ٣٧). واستدلوا بتقييد ذلك بالعذر بظاهر حال عروة، حيث جاء فيه: أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي. ونوقش بعموم قول النبي : «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَتَى عَرَفَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

<<  <   >  >>