والراجح: هو جواز المبيت في أقرب مكان يلي مِنًى، ولكن بشرط امتلاء مِنًى؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦].
ولأنه إذا كان من أعظم مقاصد الحج أن يكون الناس مجتمعين أمة واحدة؛ لإقامة ذكر الله، فالمبيت في أقرب مكان يلي مِنًى أقرب إلى توحدهم.
وتَجدر الإشارة في هذا المقام إلى التنبيه على أمرين:
الأول: تَساهُل كثير من الحُجاج في التأكد من امتلاء مِنًى أم لا؟ ولذا قد تَوسَّع كثير من الحُجاج في ترك هذا الواجب (المبيت في مِنًى) للترفه والبقاء في الفنادق الفارهة في أنحاء مكة؛ مما أَفْقَدَ الحجَّ معناه الحقيقي، الذي سَمَّاه به النبي ﷺ بقوله:«أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» فالحج جهاد. فيجب على هؤلاء الدم لتساهلهم في ترك واجب؛ لأنه يجب على الحاج أن يجتهد في إيجاد مكان للمبيت في مِنًى.
الثاني: أنه مع ما قامت به الحكومة السعودية في خدمة الحرمين، من المشاريع العملاقة والتوسعات الجبارة، نحتاج إلى مزيد من الجهود، فلو بُني عدد من المساجد الكبيرة العملاقة، وكل مسجد به عدد كبير من الأطباق في مِنًى وعرفة، كمسجد الخَيْف ومسجد عرفة، لمَكَّنَتِ الكثير من الحُجاج من المبيت في مِنًى، ولخَفَّ كثير من الزحام.
المبحث الثاني: مَنْ عَلِم أن حملته لن تبيت بمِنًى:
قد تكون الحملة عَيَّنَتْ مكانًا في مزدلفة، فإن كان الحاج يستطيع أن يَحجز مع حملة أخرى تُناسِب قدرته المادية بمِنًى، فهذا يجب عليه تغيير حملته إلى الحملة التي بمِنًى؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
أما إذا كان الحاج لا يستطيع أن يَحجز مع حملة أخرى، فله أن يَبقى في حملته في مزدلفة، ولا يُكلِّف الله نفسًا إلا وُسعها.
المبحث الثالث: المبيت في شوارع مِنًى وأرصفتها:
هذا لا يخلو من حالين:
الأول: إذا وَجَد الحملة مكانًا في مِنًى تجلس أغلب الليل فيه، في طريق أو غيره، ولا يترتب على الجلوس فيها ضرر على المارة والسيارات، فلها أن تجلس في هذا الموضع؛ عملًا بحديث:«مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ».