للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: مكان ذبح الدم بترك واجب أو فعل محظور]

اتفقت المذاهب الأربعة على أن موضع دم الصيد يجب أن يكون بالحرم؛ لصريح قوله تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ (١).

واختَلف العلماء في مكان الذبح بترك واجب أو فعل محظور غير الصيد، على قولين:

القول الأول: أنه لا يجزئ ذبح الفدية بترك واجب أو فِعل محظور إلا في الحَرَم. وهو مذهب الحنفية، وقول للشافعية، وبه قال الحنابلة (٢).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما الكتاب، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣]. فمكان الهدايا الحَرَم.

وقولِه تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥] والآية وإن نزلت في جزاء الصيد، فكان أصلًا في كل دم، فجُعِل بلوغ الكعبة من صفات الهَدْي، فلا يَجوز إلا في الحَرَم، ولو جاز ذبحه في غير الحَرَم، لم يكن لذِكْر بلوغه الكعبة معنى (٣).

وأما السُّنة، فَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» (٤) فلَا يَجُوزُ نَحْرُ الْبُدْنِ وَالْهَدْيِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ وَمِنًى، إِلَّا مَا خَصَّهُ النَّصُّ مِنْ هَدْيِ الْمُحْصَرِ. وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إِلَى مَكَانِ الْهَدَايَا، أَيْ: يُنْقَلُ إِلَيْهَا.

القول الآخَر: أنه يجزئ ذبح الفدية بترك واجب أو فعل محظور في أي مكان شاء.


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٢٤)، و «المجموع» (٨/ ١٨٧، ١٩١)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٧٦). وقال الطبري: يَجوز نحر الهَدْي حيث شاء المُهْدِي، إلا هَدْي القِران وجزاء الصيد، فإنهما لا يُنحران إلا بالحَرَم.
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٢٥)، و «المجموع» (٧/ ٤١١)، و «المغني» (٣/ ٥٦٩).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٠٠). وقال الجَصَّاص: قَالَ: ﴿ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ وَذَلِكَ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَنْعَامَ الَّتِي تُهْدَى إلَى الْبَيْتِ، فَوَجَبَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُلِّ هَدْيٍ مُتَقَرَّبٍ بِهِ مَخْصُوصٌ بِالْحَرَمِ، لَا يُجْزِي فِي غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿هَدْيًاً﴾. «أحكام القرآن» (١/ ٣٥١).
(٤) رواه مسلم (١٢١٨).

<<  <   >  >>