للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو مذهب المالكية، وقول للشافعية، وبه قال الظاهرية (١).

واستدلوا بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] فظاهره أنه حيثما فَعَل أجزأه، والنسك هو ما يذبحه نسكًا، ولم يُسَمِّه هَدْيًا، ولا يقاس على الهَدْي، والهَدْي لا يكون إلا بمكة.

وَعَنْ كَعْبِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ لَهُ: «آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : «احْلِقْ رَأْسَكَ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا» (٢).

وَجْه الدلالة: أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِالْفِدْيَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِبَعْثِهِ إلَى الْحَرَمِ، وَالحُدَيْبِيَةُ خَارِجُ الحَرَمِ (٣).

واعتُرض عليه بأن الحُديبية منها موضع خارج الحَرَم، ومنها موضع داخل الحَرَم، فيحتمل أنه ذَبَح داخل الحَرَم، والنص إذا تطرق إليه الاحتمال بَطَل به الاستدلال.

وَعَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبدِ اللهِ بن جَعْفَرٍ، فَخَرَجَ مَعَهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَمَرُّوا عَلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مَرِيضٌ بِالسُّقْيَا، فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَتَّى إِذَا خَافَ الفَوَاتَ خَرَجَ، وَبَعَثَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَهُمَا بِالمَدِينَةِ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ حُسَيْنًا أَشَارَ إِلَى رَأْسِهِ، فَأَمَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِرَأْسِهِ فَحُلِقَ، ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا، فَنَحَرَ عَنْهُ بَعِيرًا (٤).

وَجْه الدلالة: أن عليًّا ذَبَح خارج الحَرَم، فدل على جواز، ذبح الهَدْي خارج الحَرَم (٥).

والراجح: أنه لا يجزئ ذبح الفدية بترك واجب أو فعل محظور إلا في الحَرَم.


(١) «المدونة» (١/ ٣٨٧)، و «المجموع» (٧/ ٤١١)، و «المُحَلَّى» (٥/ ٢٣٤).
(٢) البخاري (١٨١٤)، ومسلم (١٢٠١) واللفظ له.
(٣) «المغني» (٥/ ٤٥٠).
(٤) إسناده صحيح: أخرجه مالك (١/ ٣٨٧) عن يعقوب بن خالد المخزومي، عن أبي أسماء، به.
(٥) فَهَذَا عَلِيٌّ وَالْحُسَيْنُ وَأَسْمَاءُ رَأَوْا أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَيُهْدِيَ فِي مَوْضِعِهِ. «المُحَلَّى» (٥/ ٢٢٣).

<<  <   >  >>