للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والراجح: أنه يصح تأخير رمي كل يوم إلى اليوم الثاني إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وكذا يجوز تأخير الرمي كله إلى آخِر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر، ويرميه مرتبًا: رمي اليوم الأول، ثم رمي اليوم الثاني؛ لأن أيام التشريق كلها كاليوم الواحد، وقت للرمي، فإذا أَخَّره عن أول وقته إلى آخره أجزأه، كتأخير الوقوف بعرفة إلى آخِر وقته. ولإذن النبي للرِّعَاء في ذلك، ولكن لا يجوز تأْخير يوم إلى يومٍ آخَر إلا لعُذْر، فهو وَقْت له، ولكنه كالوقت الضروري، كمَن صلى العصر قبل غروب الشمس، فهو قد أداها في وقتها الضروري، فيأثم للتأخير إلا لعذر، والله أعلم.

المبحث السابع: النَّفْر الأول إذا رمى الجمار ثاني أيام التشريق:

إذا رمى الحاج الجمار ثاني أيام التشريق، فيَجوز له أن ينفر إن أحب التعجل في الانصراف من مِنًى، هذا هو النَّفْر الأول، وبذلك يَسقط عنه المبيت ورَمْي اليوم الأخير.

قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣]. ولقوله : «أيام منى ثلاثة: فمَن تَعَجَّل في يومين فلا إثم عليه، ومَن تَأخَّر فلا إثم عليه».

قال ابن قُدامة: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مِنًى شَاخِصًا عَنِ الْحَرَمِ، غَيْرَ مُقِيمٍ بِمَكَّةَ، أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (١).

المبحث الثامن: النَّفْر الثاني إذا رمى الجمار ثالث أيام التشريق:

التأخير إلى ثالث أيام التشريق أفضل، فإذا رمى الحاج الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق بعد الزوال، انصرف من مِنًى إلى مكة، ويسمى النَّفْر الثاني (٢).

المبحث التاسع: مَنْ تَرَك الرمي حتى انقضت أيام مِنًى:

اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على أن مَنْ تَرَك الرمي حتى انقضت أيام مِنًى، سَقَط عنه الرمي ووجب عليه الدم.


(١) «المغني» (٥/ ٣٣١). وقد نَقَل الإجماع على ذلك: الماوردي في «الحاوي» (٤/ ١٩٩)، والنووي في «المجموع» (٨/ ٢٤٩)، وابن رُشْد في «بداية المجتهد» (٢/ ١١٨) وغيرهم كثير.
(٢) قال الماوردي: فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّعْجِيلِ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ، فَالْمُقَامُ إِلَى النَّفْرِ الثَّانِي أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَتَعَجَّلْ وَأَقَامَ إِلَى النَّفْرِ الثَّانِي، فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِهِ أَوْلَى. وَلِأَنَّ التَّعْجِيلَ رُخْصَةٌ وَالْمُقَامَ كَمَالٌ. وَلِأَنَّ المُتَعَجِّلَ قَدْ تَرَفَّهَ بِتَرْكِ بَعْضِ الأَعْمَالِ وَالمُقِيمَ لَمْ يَتْرُكْهَا «الحاوي» (٤/ ١٩٩).

<<  <   >  >>