للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِيجَابُ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً عَنْ أَصْلِهِ، فَوَجَبَ أَلَّا يُقَاسَ عَلَيْهِ (١).

الثاني: قياسُ فِعل المحظور على ترك المأمور، فكما أن ترك صلاةٍ ناسيًا لا تَسقط عنه، فكذا فِعل المحظور.

واعتُرض عليه بأن هذا ليس بمُطَّرِد، فإن مَنْ أَكَل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان لا يَفسد صومه ولا قضاء فيه.

والراجح: أن مَنْ فَعَل شيئًا من محظورات الإحرام، ناسيًا أو جاهلًا أو مُكْرَهًا، فلا فدية عليه؛ لعموم الأدلة من القرآن والسُّنة الصحيحة.

المبحث الثالث: حُكْم الفدية (الدم) بترك واجب من واجبات الحج:

اختَلف العلماء فيمن تَرَك واجبًا على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لزوم الدم على مَنْ تَرَك واجبًا، سواء كان بعذر أو بغير عذر. وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة (٢).

واستدلوا بالمأثور والقياس:

أما المأثور، فعن عبد اللهِ بن عباس قال: «مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، فَلْيُهْرِقْ دَمًا» (٣).

وَجْه الدلالة: أن هذا القول لا يُدرَك بالاجتهاد، فله حُكْم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي.

ونوقش بأنه لا مانع أن مثله يقال بالرأي، وأن ابن عباس اجتهد، فأداه اجتهاده إلى وجوب الدم.

وأجيب بأنه قول صحابي قد اشتهر، ولا يُعْلَم له مُخالِف من الصحابة، وعَمِل به جماهير العلماء، فكان أَوْلَى بالقَبول من قول غيره (٤).


(١) «المُحَلَّى» (٥/ ٢٣٥).
(٢) «المُدوَّنة» (١/ ٤١٤)، و «المجموع» (٨/ ٢٦٦). وقال ابن قدامة: «وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ». «المغني» (٥/ ٣٤٠).
(٣) إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (١١٨١) عن أيوب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، به.
(٤) «الشرح الممتع» (٧/ ٤٠٨).

<<  <   >  >>